عليه وسلم له عمل والله له خالق ومحدث والدلالة على أنه جمع بين الذكرين هو قوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا وأنت تعلم أنه لا يأتينا إلا بمبلغ ومذكر وقال : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٢) ، و (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) (٣) فلما اجتمعوا فى اسم الذكرى جرى عليهم اسم الحدث وكان النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله عزوجل الّذي انفرد ولم يقع عليه اسم خلق ولا حدث فوجدنا دلالة من قوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) إنما هو محدث إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لأن النبي كان لا يعلم فعلمه الله تعالى فلما علمه الله تعالى (ق ١٨ / ب) كان ذلك محدثا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم (٤).
قال ثم إن الجهمى ادعى أمرا آخر قال : أنا أجد آية فى كتاب الله تدل على أن القرآن مخلوق قول الله : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) (٥) وعيسى مخلوق.
فقلنا : إن الله منعك الفهم فى القرآن إن عيسى تجرى عليه ألفاظ لا تجرى على القرآن لأنه يسميه مولودا وطفلا وصبيا وغلاما يأكل ويشرب وهو يخاطب بالأمر والنهى يجرى عليه اسم الخطاب والوعيد ثم هو من ذرية نوح ومن ذرية إبراهيم فلا يحل لنا أن نقول فى القرآن ما نقول فى عيسى ، فهل سمعتم الله يقول فى القرآن ما قال فى عيسى ولكن المعنى فى قول الله (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ) فالكلمة التى ألقاها إلى مريم حين قال له كن فكان
__________________
(١) سورة الذاريات / ٥٥.
(٢) سورة الأعلى / ٩.
(٣) سورة الغاشية / ٢١.
(٤) قال ابن كثير : «محدث» أى جديد إنزاله كما قال ابن عباس : ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادو فيه ونقصوا منه وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضا لم يشب. ا ه. تفسير ابن كثير : ٣ / ١٨٢. ولن يشب لأن الله عزوجل تكفل بحفظه ولم يكل ذلك إلى خلقه. قال جل وعلا (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
(٥) سورة النساء / ٧١.