وقال الله لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (١) لا يعنى أنى خالقك للناس إماما لأن خلق إبراهيم كان متقدما. وقال إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (٢) وقال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) (٣) لا يعنى اخلقنى مقيم الصلاة وقال : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) (٤) لا يعنى يريد الله أن لا يخلق لهم حظا فى الآخرة. وقال لأم موسى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٥) لا يعنى وخالقوه من المرسلين لأن الله تعالى وعد أم موسى أن يرده إليها ثم يجعله من بعد ذلك مرسلا. ، قال : (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) (٦) لا يعنى فيخلقه فى جهنم. وقال : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٧) وقال : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) (٨) لا يعنى خلقه دكا. ومثله فى القرآن كثير ، فهذا وما يكون على مثاله لا يكون على معنى خلق ، فإذا قال الله «جعل» على معنى خلق ، وقال «جعل» على معنى غير خلق. فبأى حجة قال الجهمى : جعل على معنى الخلق (٩).
فإن رد الجهمى الجعل على المعنى الّذي (ق ١٣ / ب) وضعه (١٠) الله فيه وإلا كان من الذين يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون فلما قال الله عزوجل : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (١١) يقول : جعل جعلا على معنى فعل من أفعال الله على غير معنى الخلق (١٢) وقال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍ
__________________
(١) سورة البقرة / ١٢٤.
(٢) سورة إبراهيم / ٣٥.
(٣) سورة إبراهيم / ٤٠.
(٤) سورة آل عمران / ١٧٦.
(٥) سورة القصص / ٧.
(٦) سورة الأنفال / ٣٧.
(٧) سورة القصص / ٥.
(٨) سورة الأعراف / ١٤٣.
(٩) وانظر : محنة الإمام أحمد لحنبل بن إسحاق ص : ٥٣.
(١٠) فى المطبوع : فإن رد الجهمى الجعل إلى المعنى الّذي وصفه.
(١١) سورة الزخرف / ٣.
(١٢) بعد هذا جاء فى الأصل : «وقال فى سورة يوسف : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ـ