حدود ذلك وإن ما يبلغه ليس تقوّلا على الله وإنما هو وحي رباني يوحيه الله ليكون هدى ورحمة للذين صدقت رغبتهم في الحق والإيمان والتبصّر.
ولم يذكر المفسرون رواية في نزول هذه الآية لمناسبة خاصة. ويتبادر لنا أن لها صلة بالفصل السابق. وضمير الجمع الغائب يمكن أن يكون قرينة على هذه الصلة لأنه يربط بينها وبين الآية الأخيرة السابقة التي تذكر إخوان الشياطين. ولا يبعد أن يكون الموقف الساخر الذي حكته الآية بقولهم للنبي صلىاللهعليهوسلم : (هلا اختلقتها) هو الذي أثار انفعال النبي صلىاللهعليهوسلم فتقدمت الآيات السابقة بالخطة الحكيمة والتنويه والتنبيه والتنديد بين يديّ الباعث عليها.
وفحوى الآية يلهم أن الكفار قد طلبوا آية قرآنية وليس آية خارقة أي معجزة. فلما لم يجبهم إلى طلبهم وقال لهم إن القرآن وحي من الله يبلغه حينما يوحي الله به إليه غمزوه بما غمزوه وأثاروا انفعاله. وهكذا تكون الآية قد احتوت صورة جديدة من صور مواقف تحدّي الكفار.
وقد تكرر هذا منهم وتكرر نفس الجواب لهم على ما حكته آية سورة يونس هذه : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥)).
تعليق على جملة
(إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَ)
وفي هتاف النبي صلىاللهعليهوسلم بأمر الله بأنه إنما يتبع ما يوحى إليه من الله وليس له إلّا تبليغه وبأن القرآن ليس ارتجالا وليس هو رهن الطلب والاقتراح وبسبيل الجدال والمماحكة وإنما هو بصائر وهدى ورحمة لمن صدقت نيته ورغبته في الإيمان والهدى تتجلّى صميميته الرائعة بإعلان الحق والحقيقة والتزام حدود الله ويتجلّى عمق إيمانه برسالته وصلته بالله واستغراقه فيهما. وفي الآية بعد تنويه جميل