تعليق على جملة
(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)
ويتبادر لنا أن تعبير (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) هو أسلوبي من باب ما جرى عليه النظم القرآني أحيانا من نسبة كل أمر إلى الله عزوجل من حيث الأصل مع قيام القرينة على أن ذلك نتيجة لمسلك وأخلاق الذين لا يؤمنون. وقد قصد به التنديد بالكافرين ونسبة ما هم فيه من كفر وإثم إلى وسوسة الشياطين وإغراءاتهم كما قصد به تطمين المؤمنين بأنه لا سبيل للشياطين عليهم فأولياء الكفار هم الشياطين في حين أن الله عزوجل هو وليّ المؤمنين. وفي آيات قصة آدم وإبليس في سورتي الحجر والإسراء تقرير صريح لذلك حيث جاء في الأولى هذه الآية : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢)) وفي الثانية هذه الآية : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)) ، وفي سورة النحل آيتان تؤيدان هذا القصد مع تأييدهما لأسلوبية التعبير وهما : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠)) وفي إحدى الآيات التالية توكيد آخر حيث نسب فعل اتخاذ الشياطين أولياء إلى الكفار. فنحن ننزّه الله عزوجل عن أن يجعل الشياطين أولياء لأناس دون كسب وسبب منهم. وهو إنما يضلّ الظالمين والفاسقين ويهدي إليه من أناب ويثبت الذين آمنوا بالقول الثابت كما جاء في آية سورة إبراهيم هذه : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧)) وآيات سورة البقرة هذه : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي