الفقهيّة مع عجزه حينئذ من تحصيل المظنّة. وأمّا مجرّد تحصيل الظنّ بالأحكام عن ظواهر الأدلّة فممّا يمكن حصوله لغير البالغين إلى درجة الاجتهاد مطلقا ، مع عدم عدّه من الاجتهاد قطعا ، ولذا اعتبروا في حدّه أن يكون الاستفراغ المذكور من الفقيه ـ حسب ما مرّ الكلام فيه ـ فاستظهار التوقّف في المقام الأوّل من الشهيد في الألفيّة وشيخه فخر الإسلام والسيّد العميدي ليس في محلّه. ولا يبعد تنزيل ما ذكروه على المقام الثاني بالتقريب الذي بيّنّاه.
فظهر بما قرّرناه : أنّ مآل الحكم بقبول الاجتهاد التجزّي وعدمه والحكم بحجّية ظنّ المتجزّي وعدمه أمر واحد ، ولذا وقع التعبير في معظم كلماتهم بالأوّل ، مع أنّ الملحوظ في المقام كما عرفت هو الثاني.
ومنه يظهر ضعف ما استشكل في المقام : من أنّ المانعين من التجزّي إن اعتبروا في الاجتهاد ـ كما هو ظاهر العنوان ـ ملكة استنباط جميع المسائل ، فإن كان ذلك لجواز العمل به لم يخل عن وجه لكن ذلك كلام في الحجّية لا في أصل حصول الاجتهاد كما هو ظاهر العنوان ، وإن كان ذلك لنفس تحقّق الاجتهاد فلا يظهر وجهه ، إذ الاجتهاد ليس إلّا الظنّ بالمسألة بعد استفراغ الوسع في أدلّتها ، وهو غير متوقّف على الاقتدار على الجميع ـ استنباط غيرها ـ والقول بأنّ القائل بعدم التجزّي لا يسمّي الاقتدار على استنباط بعض المسائل اجتهادا بل يعتبر في التسمية الاقتدار على الجميع لا يرجع إلى طائل ، فإنّه بحث لفظيّ لا فائدة فيه ، مع أنّ المعظم قائلون بجواز التجزّي ، فهم حاكمون بصدق الاجتهاد حينئذ ، والمعاني الاصطلاحيّة إنّما تثبت بقول الأكثر. وإن اعتبروا في تحقّق الاجتهاد العلم بجميع أدلّة المسألة وهو غير حاصل للمتجزّي ، فهو منقوض بالمطلق ، لعدم حصوله بالنسبة إليه أيضا ، إذ اقتضاء حصول الظنّ له بذلك وانعقاد الإجماع على تنزيل ظنّه منزلة العلم دون غيره لا يفيد في المقام ، إذ ذلك إنّما يلحظ بالنسبة إلى حجّية ذلك الظنّ ، لا في نفس حصول المظنّة ، وتحقّق الاجتهاد في المسألة. وإن اكتفوا فيه بالظنّ باستيفاء الأدلّة فهو ممّا يمكن حصوله للمتجزّي قطعا ، من غير فرق بينه وبين المطلق في ذلك فلا يقضي ذلك بالمنع من التجزّي انتهى ملخّصا.