(وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُـونَ بِهِ)(١) وقوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْـعَى بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)(٢) ؛ فلأنّ مَن له نورين أفضل ممّن له نور واحد.
ورويتم أنّ رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوّج عثمان ابنتيه ، وقال : لو كان لنا ثالثة لزوّجناكها(٣) ؛ فقد فضّلتموه على الشـيخين ، وهذا خلاف قولكم ؛
__________________
(١) سـورة الحديد ٥٧ : ٢٨.
(٢) سـورة التحريم ٦٦ : ٨.
(٣) انظر : المعجم الكبير ١٧ / ١٨٤ ح ٤٩٠ ، تاريخ دمشـق ٣٩ / ٤٣ ـ ٤٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ٨٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩١ ح ٣٢٨٢٧ و ٣٢٨٢٨ ، الاسـتغاثة ٢ / ٥٤.
ونـقـول : هذا هو المشـهور ، وفيه تأمّـل لوجوه ثلاثـة :
أوّلا : ذكر أرباب السـير والتاريخ ، أنّ رقية وأُمّ كلثوم كانتا متزوّجتين من ابنَي أبي لهب ثمّ طلّقاهما بعد البعثة ، أو بعد نزول سـورة (تَبَّتْ يَـدَا أَبِـي لَهَب) ، فتزوّج عثمان برقـيّـة ، وهاجـرت معه إلى الحبشـة ، ثمّ توفّيت بعد غزوة بـدر أو في أثنائها ، إلاّ أنّه لم يخبرنا أحد ـ حتّى ولو كان قاصّـاً ـ ما شـأن أُمّ كلثوم بعد طلاقها من ابن أبي لهب الآخر؟!
ثمّ ذكروا أنّ عثمان تزوّجها سـنة ثلاث من الهجرة بعد وفاة رقيّة ، وهذا يعني أنّها بقيت بلا زواج بعد طلاقها لمدّة ثلاثة عشـر عاماً في أقلّ تقدير ، فهل يعقل أن تبقى مثل بنت رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعطّلة عن الزواج بعد طلاقها هذه المدّة مع انتفاء المانع ووجود القابل؟!
ثانياً : ذهب جمع من المؤرّخين وأرباب السـير إلى أنّ عثمان تزوّج بعد وفاة رقيّة أُختها زينب ، والتي هي بدورها توفّي زوجها أبو العاص ، إلاّ أنّ هذا لا يمكن القبول به ؛ لأنّ زينب توفّيت سـنة سـبع أو ثمان أو تسـع على اختلاف الأقوال ، أي قبل وفاة زوجها أبو العاص ، الذي توفّي سـنة اثنتي عشـرة من الهجرة كما في الطبقات الكبرى ـ لابن سـعد ـ ٥ / ٨ ، ومعرفة الصحابة ٤ / ٢٣٥٦ رقم ٢٤٨٢ ، والاسـتيعاب ٤ / ١٧٠٤ ، وأُسـد الغابة ٥ / ١٨٦ رقم ٦٠٣٥.
ثالثاً : ذكر المؤرّخون وأصحاب السـير اصطحاب عليّ عليهالسلام للفواطم حين هاجر ، ولم نقرأ أو نسـمع أيَّ ذِكر لأُمّ كلثوم ، ولا أحصاها عادٌّ في مَن هاجر مع عليّ عليهالسلام ، ولم يذكر أحد أنّها بقيت في مكّة ولا كيفية التحاقها بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!