__________________
عَلَيْنَا ، فَجَلَسَ مَعَنَا وَقَالَ : سَلَا تُخْبَرَا ، قُلْنَا : نُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَحْسَدِ قُرَيْشٍ الَّذِي لَمْ يَأْمَنْ ثِيَابَنَا عَلَى ذِكْرِهِ لَنَا ، فَقَالَ : سَأَلْتُمَا عَنْ مُعْضِلَةٍ ؛ وَسَأُخْبِرُكُمَا فَلْيَكُنْ عِنْدَكُمَا فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ وَحِرْزٍ مَا بَقِيتُ ، فَإِذَا مِتُّ فَشَأْنَكُمَا وَمَا شِئْتُمَا مِنْ إِظْهَارٍ أَوْ كِتْمَانٍ.
قُلْنَا : فَإِنْ لَكَ عِنْدَنَا ذَلِكَ ، قَالَ أَبُو مُوسَى : وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي : مَا يُرِيدُ إِلَّا الَّذِينَ كَرِهُوا اسْتِخْلَافَ أَبِي بَكْرٍ لَهُ كَطَلْحَةَ وَغَيْرِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ : أَتَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا فَظّاً غَلِيظاً؟! وَإِذَا هُوَ يَذْهَبُ إِلَى غَيْرِ مَا فِي نَفْسِي ، فَعَادَ إِلَى التَّنَفُّسِ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ تَرَيَانِهِ؟ قُلْنَا : وَاللهِ مَا نَدْرِي إِلَّا ظَنّاً! قَالَ : وَمَنْ تَظُنَّانِ؟ قُلْنَا : عَسَاكَ تُرِيدُ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَبَا بَكْرٍ عَلَى صَرْفِ هَذَا الْأَمْرِ عَنْكَ ، قَالَ : كَلَّا وَاللهِ! بَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعَقَّ ، وَهُوَ الَّذِي سَأَلْتُمَا عَنْهُ ، كَانَ وَاللهِ أَحْسَدَ قُرَيْشٍ كُلِّهَا. ثُمَّ أَطْرَقَ طَوِيلاً ، فَنَظَرَ الْمُغِيرَةُ إِلَيَّ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ ، وَأَطْرَقْنَا مَلِيّاً لِإِطْرَاقِهِ وَطَالَ السُّكُوتُ مِنَّا وَمِنْهُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا بَدَا مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ : وَالَهْفَاهْ عَلَى ضَئِيلِ بَنِى تَيْمِ بْنِ مِرَّةَ! لَقَدْ تَقَدَّمَنِى ظَالِماً ، وَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهَا آثِماً ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ : أَمَّا تَقَدُّمُهُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ظَالِماً فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، كَيْفَ خَرَجَ إِلَيْكَ مِنْهَا آثِماً؟ قَالَ : ذَاكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَي مِنْهَا إِلَّا بَعْدَ يَأْسٍ مِنْهَا أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ أَطَعْتُ يَزِيدَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَتَلَمَّظْ مِنْ حَلَاوَتِهَا بِشَىْءٍ أَبَداً ، وَلَكِنِّى قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ ، وَصَعِدْتُ وَصَوَّبْتُ ، وَنَقَضْتُ وَأَبْرَمْتُ ، فَلَمْ أَجِدْ إِلَّا الْإِغْضَاءَ عَلَى مَا نَشِبَ بِهِ مِنْهَا ، وَالتَّلَهُّفَ عَلَى نَفْسِي ، وَأَمَّلْتُ إِنَابَتَهُ وَرُجُوعَهُ ، فَوَاللهِ مَا فَعَلَ حَتَّى نَغَزَ بِهَا بَشَماً.
قَالَ الْمُغِيرَةُ : فَمَا مَنَعَكَ مِنْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ عَرَضَكَ لَهَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِدُعَائِكَ إِلَيْهَا! ثُمَّ أَنْتَ الْآنَ تَنْقِمُ وَتَتَأَسَّفُ؟ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُغِيرَةُ! إِنِّي كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ ، كَأَنَّكَ كُنْتَ غَائِباً عَمَّا هُنَاكَ! إِنَّ الرَّجُلَ مَاكَرَنِي فَمَاكَرْتُهُ ، وَأَلْفَانِي أَحْذَرَ مِنْ قَطَاةٍ ؛