__________________
ثُمَّ نَظَرَ الْمُغِيرَةُ إِلَيَّ وَتَبَسَّمَ ، فَرَمَقَهُ عُمَرُ ، فَقَالَ : مِمَّ تَبَسَّمْتَ أَيُّهَا الْعَبْدُ؟! فَقَالَ : مِنْ حَدِيثٍ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو مُوسَى فِيهِ آنِفاً فِي طَرِيقِنَا إِلَيْكَ ، قَالَ : وَمَا ذَاكَ الْحَدِيثُ؟ فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ الْخَبَرَ حَتَّى بَلَغْنَا ذِكْرَ حَسَدِ قُرَيْشٍ ، وَذِكْرَ مَنْ أَرَادَ صَرْفَ أَبِي بَكْرٍ عَنِ اسْتِخْلَافِ عُمَرَ ، فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُغِيرَةَ! وَمَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْحَسَدِ! بَلْ وَتِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعُشْرِ ، وَفِي النَّاسِ كُلِّهِمْ عُشْرُ الْعُشْرِ ، بَلْ وَقُرَيْشٌ شُرَكَاؤُهُمْ أَيْضاً فِيهِ! وَسَكَتَ مَلِيّاً وَهُوَ يَتَهَادَى بَيْنَنَا ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمَا بِأَحْسَدِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا؟ قُلْنَا : بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : وَعَلَيْكُمَا ثِيَابُكُمَا ، قُلْنَا : نَعَمْ ، قَالَ : وَكَيْفَ بِذَلِكَ وَأَنْتُمَا مُلَبَّسَانِ ثِيَابَكُمَا؟ قُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا بَالُ الثِّيَابِ؟ قَالَ : خَوْفُ الْإِذَاعَةِ مِنْهَا قُلْنَا لَهُ : أَتَخَافُ الْإِذَاعَةَ مِنَ الثِّيَابِ أَنْتَ وَأَنْتَ مِنْ مُلَبَّسِ الثِّيَابِ أَخْوَفُ! وَمَا الثِّيَابَ أَرَدْتُ؟ قَالَ : هُوَ ذَاكَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَحْلِهِ فَخَلَا أَيْدِيَنَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ قَالَ : لَا تَرِيمَا وَدَخَلَ فَقُلْتُ لِلْمُغِيرَةِ لَا أَبَا لَكَ! لَقَدْ آثَرَنَا بِكَلَامِنَا مَعَهُ ، وَمَا كُنَّا فِيهِ وَمَا نَرَاهُ حَبَسَنَا إِلَّا لِيُذَاكِرَنَا إِيَّاهَا قَالَ : فَإِنَّا لَكَذَلِكَ إِذْ أَخْرَجَ آذِنَهُ إِلَيْنَا ، فَقَالَ : ادْخُلَا ، فَدَخَلْنَا فَوَجَدْنَاهُ مُسْتَلْقِياً عَلَى بُرْذُعَةٍ بِرَحْلٍ ، فَلَمَّا رَآنَا تَمَثَّلَ بِقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ :
لَا تُفْشِ سَرَّكَ إِلَّا عِنْدَ ذِي ثِقَةٍ |
|
أَوْلَى وَأَفْضَلَ مَا اسْتُودِعْتَ أَسْرَاراً |
صَدْراً رَحِيباً وَقَلْباً وَاسِعاً قَمِناً |
|
أَلَّا تَخَافَ مَتَى أَوْدَعْتَ إِظْهَاراً |
فَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ نَضْمَنَ لَهُ كِتْمَانَ حَدِيثِهِ ، فَقُلْتُ أَنَا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْزَمْنَا وَخُصَّنَا وَصِلْنَا ، قَالَ : بِمَا ذَا يَا أَخَا الْأَشْعَرِيَّيْنِ؟ فَقُلْتُ بِإِفْشَاءِ سِرِّكَ فِي هِمَّتِكَ فَنِعْمَ الْمُسْتَشَارَانِ نَحْنُ لَكَ. قَالَ : إِنَّكُمَا كَذَلِكَ ، فَاسْأَلَا عَمَّا بَدَا لَكُمَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْبَابِ لِيُغْلِقَهُ ، فَإِذَا الْآذِنُ الَّذِي أَذِنَ لَنَا عَلَيْهِ فِي الْحُجْرَةِ ، فَقَالَ : امْضِ عَنَّا لَا أُمَّ لَكَ : فَخَرَجَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ خَلْفَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ