__________________
إِنَّهُ لَمَّا رَأَى شَغَفَ النَّاسِ بِهِ ، وَإِقْبَالَهُمْ بِوُجُوهِهِمْ عَلَيْهِ ، أَيْقَنَ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِهِ بَدَلاً ، فَأَحَبَّ لِمَا رَأَى مِنْ حِرْصِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَمَيْلِهِمْ إِلَيْهِ ، أَنْ يَعْلَمَ مَا عِنْدِي ، وَهَلْ تُنَازِعُنِي نَفْسِي إِلَيْهَا! وَأَحَبَّ أَنْ يَبْلِوَنِي بِإِطْمَاعِي فِيهَا ، وَالتَّعْرِيضِ لِي بِهَا ، وَقَدْ عَلِمَ وَعَلِمْتُ لَوْ قَبِلْتُ مَا عَرَضَهُ عَلَيَّ لَمْ يَجِبِ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ ، فَأَلْفَانِي قَائِماً عَلَى أَخْمُصِى مُسْتَوْفِزاً حَذِراً وَلَوْ أَجَبْتُهُ إِلَى قَبُولِهَا لَمْ يُسَلِّمِ النَّاسُ إِلَيَّ ذَلِكَ ، وَاخْتَبَأَهَا ضِغْناً عَلَيَّ فِي قَلْبِهِ ، وَلَمْ آمَنْ غَائِلَتَهُ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ : مَعَ مَا بَدَا لى مِنْ كَرَاهَةِ النَّاسِ لِي : أَمَا سَمِعْتَ نِدَاءَهُمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَيَّ : لَا نُرِيدُ سِوَاكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَنْتَ لَهَا! فَرَدَدْتُهَا إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ الْتَمَعَ وَجْهُهُ لِذَلِكَ سُرُوراً. وَلَقَدْ عَاتَبَنِي مَرَّةً عَلَى كَلَامٍ بَلَغَهُ عَنِّي ، وَذَلِكَ لَمَّا قُدِّمَ عَلَيْهِ بِالْأَشْعَثِ أَسِيراً ، فَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ ، وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ أُمَّ فَرْوَةَ ، فَقُلْتُ لِلْأَشْعَثِ وَهُوَ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ : يَا عَدُوَّ اللهِ أَكَفَرْتَ بَعْدَ إِسْلَامِكَ ، وَارْتَدَدْتَ نَاكِصاً عَلَى عَقِبَيْكَ! فَنَظَرَ إِلَيَّ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَنِى بِكَلَامٍ فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ لَقِيَنِى بَعْدَ ذَلِكَ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لِي : أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلَامِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا عَدُوَّ اللهِ ؛ وَلَكَ عِنْدِى شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : بِئْسَ الْجَزَاءُ هَذَا لِي مِنْكَ! قُلْتُ : وَعَلَامَ تُرِيدُ مِنِّي حُسْنَ الْجَزَاءِ؟ قَالَ : لِأَنَفَتِي لَكَ مِنْ اتِّبَاعِ هَذَا الرَّجُلِ وَاللهِ مَا جَرَّأَنِي عَلَى الْخِلَافِ عَلَيْهِ إِلَّا تَقَدُّمُهُ عَلَيْكَ ، وَتَخَلُّفُكَ عَنْهَا ، وَلَوْ كُنْتَ صَاحِبَهَا لَمَا رَأَيْتَ مِنًى خِلَافاً عَلَيْكَ. قُلْتُ : لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ ، فَمَا تَأْمُرُ الْآنَ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ أَمْرٍ ، بَلْ وَقْتُ صَبْرٍ ، وَمَضَى وَمَضَيْتُ. وَلَقِيَ الْأَشْعَثُ الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، فَنَقَلَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِعِتَابٍ مُؤْلِمٍ ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ : أَمَا وَاللهِ لَتَكُفَّنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ كَلِمَةً بَالِغَةً بِي وَبِكَ فِي النَّاسِ ، تَحْمِلُهَا الرُّكْبَانُ حَيْثُ سَارُوا وَإِنْ شِئْتَ اسْتَدَمْنَا مَا نَحْنُ فِيهِ عَفْواً ، فَقَالَ : بَلْ نَسْتَدِيمُهُ ، وَإِنَّهَا لَصَائِرَةٌ إِلَيْكَ بَعْدَ أَيَّامٍ ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا