أليس كان يدور عليهم ثلاثة أيّام ، مرّة يقول : أقيلوني (١) ومرّة يقول : البدار ، ولو كان الأمر كما ذكروه لكان يدّعي لنفسه أنّه الحبر الفاضل ، وأنّه يستحقّ الخلافة والإمامة بفضله فيثبت له الأمر ولا يختلف عليه ولكنّه لم يستجزم أن يقول غير الحقّ ، أو يدّعي ما ليس له ، ولم يأمن مع ذلك أن يبكت (٢) ويكذب في وجهه ويردّ عليه قوله ففي ذلك بطلان دعواهم وإستحالة أقاويلهم إنّه كره أن يمدح نفسه ، فكيف جاز في هذا الموضوع وحده ولم يجز في سائر الأشياء.
أليس إدّعى من بعده أنّه خليفة رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، وكتب إلى عمّاله : من أبي بكر خليفة رسول الله ؛ وقد زعمتم أنّ النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) لم يستخلف.
__________________
هذين الرّجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجرّاح ، والله ما كرهت من كلامه غيرها إن كنت لأقدّم فتضرب عنقي فيما لا يقرّبني إلى إثم أحبّ إلىّ من أؤمّر على قوم فيهم أبو بكر ، فلمّا قضى أبو بكر كلامه ، قام رجل من الأنصار فقال : أنا جذيلها المحكّك ، وعذيقها المرجّب ، منّا أمير ومنكم أمير.
أقول : للكلام تتمّة ذكرها ابن أبي الحديد لا بأس بالمراجعة بها فأعرضنا عنها لطولها فراجع. كما ذكره عبد الرّزاق الصّنعاني في مصنّفه ج ٥ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٤٤٣ و ٤٤٤.
(١) ذكره ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة ج ١ (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٣١ ط بيروت دار الأضواء (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ١٩٩٠.
(٢) بكته أي غلبه بالحجّة ، يقال بكته حتّى أسكته بكّته بمعنى بكته أي عنّفه وقرّعه ومنه «تبكيت الضّمير».