وكيف جاز أن يقول بعد أن بويع له : البدار قبل البوار (١) ، ألم يكن هذا القول منه بعثا على تحضيض النّاس على البيعة؟ وإنّما أراد أن يعقد الأمر قبل فراغ أهل البيت (٢) فيجرى الأمر خلف مراده.
ومعنى آخر ، لو كان هذا الأمر كما ادّعوا أنّ الصّلاة توجب الفضل لقال : ولّيتكم لأنّي أفضلكم ، وقد سمحت (٣) أنفس قريش بطاعته والإنقياد على ولايته ، وأعطته المقادة ، وصرفوا الأمر عن جهته حسدا وبغيا ، ولو كان هذا الأمر يجري ما ذكروه من جهة التّواضع ، وأنّه يمدح نفسه لكان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) أولى بذلك ، وكان يقول : أرسلت إليكم ولست بخيركم ، ولم يكن يقول : أنا سيّد ولد آدم ، وأنا ـ زين القيامة ، وأنا أفصح العرب ، ولا فخر (٤).
ودلالة أخرى لو كان الأمر على ما ذكروه ، لما كانت عائشة تدفع عن أبيها الصّلاة وتقول : إنّ أبي رجل رقيق لا يستطيع أن يقف موقف رسول الله.
__________________
(١) ألبدار : ألإسراع ، البوار : الكساد ، يقال «حائر بائر» أي لا يطبع مرشدا ولا يتجه لشىء.
(٢) وفي «ش» : أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٣) وفي «ش» : إجتمعت.
(٤) مسند الإمام أحمد ج ١ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٢٨١ ، الحديث بطوله ، وج ٣ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ١٤٤ ، والمستدرك للحاكم ، ج ١ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٣٠ ، ودلائل النّبوة للبيهقي ، ج ٥ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٤٧٧ و ٤٧٩ ، وتاريخ بغداد ، ج ٤ ، (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ٣٩٧.