أتيت على أكثر ما في «رسالة القشيريّ» فقال لي يوما : ما أحبّ أسمع شيئا خارجا عن الكتاب والسّنّة وكلام الفقهاء.
وكان يمكّن الأطفال من دخول بستانه ، فإذا ميّز الطفل حجبه ، ويقول : من ادّعى أنّه معصوم فقد ادّعى ما ليس له في الغيب.
وكان يقول : سبق إلى ذهني في مبدإ العمر اختيار بستان في الرّمل من متروك أبي انقطع فيه ، لأجل أنّ ماء نبع ، واستريح من شية ماء النّيل وإجرائه في الخليج بعمل. فمنعني من ذلك أنّ الحريم يكثرن هناك ، ولا يستتر بعضهنّ ، ولا يسلم المقيم من النّظرة. فلمّا كثر الفساد صار النّاس يقصدونه في الرّبيع للنّيرة والخضرة ، فما زالوا حتّى انتزح هذا الماء عنه بالكلّيّة ، وبقي صفصفا موحشا.
وكان أنشأ فيه تينا ورمّانا وزرجونا ، كان النّاظر يقضي منه العجب ، إلّا أنّه ما باع منه ثمرة ، فكان يقدّد التين ، ويتّخذ من الرّمّان عسلا يستغني به عن العسل ، ويتّخذ من العنب خلا وزبيبا ، فعزم بعد على قطع الكرم لئلّا ينتقل إلى من يبيعه للذّمّة عصيرا ، فقيل له : قطعه إضاعة مال متيقّن لأجل مفسدة موهومة. فتوقّف وفي نفسه حسكة. فاتّفق أنّ النيل تأخّر عنه فيبس فقلعه.
وقال لي : وعوّضني الله عن تلك الثّمار بالشّعير والفول.
ومن نوادره أنّه وجد في قمح اشتراه من الفرنج حبّات تشبه الشّعير ، نحو حفنة ، فازدرعها ، وأقام يقتات منها مدّة عشرين سنة. وكان يعجبه أنّها متميّزة في نباتها وفي سنبلها. وكان إذا حصدها نقّاها سنبلة سنبلة ، فإن وجد غريبة تركها ، وكذا كان شأنه فيما سقط من الثّمار لا يتناوله ، لاحتمال أنّ الطّير نقلته (١). وأمّا النّخل الملاصق لجيرانه فكان يبيحه لهم. وكذا لمّا بنى بينهما حائطا احتاط ، وأخرج من أرضه قطعة لهم.
__________________
(١) ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣١٦.