لما ذا لا يكون سبب تشيّع الفرس مفاد هذه الآيات والروايات التي تصرّح بأنّ الوصاية بين الأنبياء كانت أمراً وراثياً؟ وإنّ هذه سنّة الله في الأُمم كما هو ظاهر قوله سبحانه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فسمّى الإمامة عهد الله لا عهد الناس.
ثمّ إنّ من زعم أنّ التشيّع من صنع الفرس مبدأ وصبغة فهو جاهل بتاريخ الفرس ، وذلك لأنّ التسنّن كان هو السائد فيهم إلى أوائل القرن العاشر حتّى غلب عليهم التشيّع في عصر الصفويين ، نعم كانت مدن ري وقم وكاشان معقل التشيّع ومع ذلك يقول أبو زهرة : إنّ أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة ، وإنّ الشيعة الأوّلين كانوا من فارس (١).
أمّا غلبة التشيّع عليهم في الأوان الأخير فلا ينكره أحد ، إنّما الكلام في كونهم كذلك في بداية دخولهم إلى الإسلام ، فالذي يظهر أنّ الرجل جاهل بتاريخ بلاد إيران وليس له معرفة حقيقية بتفاصيل التركيبة المذهبية المختلفة التي كانت واضحة في أطراف المجتمع الإيراني وبيّنة فيه.
وإليك ما ذكره أحد الكتّاب القدامى في كتابه «أحسن التقاسيم» لتقف على أنّ المذهب السائد في ذلك القرن ، هل كان هو التشيّع أم التسنّن؟ يقول :
«إقليم خراسان للمعتزلة والشيعة ، والغلبة لأصحاب أبي حنيفة إلّا في كورة الشاش ؛ فإنّهم شوافع وفيهم قوم على مذهب عبد الله السرخسى ، وإقليم الرحاب مذاهبهم مستقيمة إلّا أنّ أهل الحديث حنابلة والغالب بدبيل ـ لعلّه يريد أردبيل ـ مذهب أبي حنيفة وبالجبال ، أمّا بالريّ فمذاهبهم مختلفة ، والغلبة فيهم للحنفية ، وبالري حنابلة كثيرة ، وأهل قم شيعة ، والدينور غلبه مذهب سفيان الثوري ، وإقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة ، أكثر أهل الأهواز ورامهرمز والدورق حنابلة ، ونصف أهل الأهواز شيعة ، وبه أصحاب أبي حنيفة كثير ، وبالأهواز مالكيّون ...
__________________
(١) تاريخ المذاهب الإسلامية : ٣٥.