إلّا أنّه يلاحظ عليه : أنّ كون الحكم والملك أمراً وراثياً لم يكن من خصائص الفرس ، بل إنّ مبدأ وراثية الحكم كان سائداً في جميع المجتمعات ، فالنظام السائد بين ملوك الحيرة وغسّان وحمير في العراق والشام واليمن كان هو الوراثة ، والحكم في الحياة القبلية في الجزيرة العربية كان وراثياً ، والمناصب المعروفة لدى قريش من السقاية والرفادة وعمارة المسجد الحرام والسدانة كانت أُموراً وراثية ، حتّى أنّ النبيّ الأكرم لم يغيّرها بل إنّه أمضاها كما في قضيّة دفعه لمفاتيح البيت إلى بني شيبة وإقرارهم على منصبهم هذا إلى الأبد.
فإلصاق مسألة الوراثة بالفرس دون غيرهم أمر عجيب لا يقرّه العقلاء ، فعلى ذلك يجب أن نقول : انّ التشيّع اصطبغ بصبغة فارسية وغسّانية وحميرية وأخيراً عربية ، وإلّا فما معنى تخصيص فكرة الوصاية بالفرس مع كونها آنذاك فكرة عامّة عالمية؟!
إنّ النبوّة والوصاية من الأُمور الوراثية في الشرائع السماوية ، لا بمعنى أنّ الوراثة هي الملاك المعيّن بل بمعنى أنّه سبحانه جعل نور النبوّة والإمامة في بيوتات خاصّة ، فكان يتوارث نبيّ نبيّاً ، ووصيّ وصيّاً ، يقول سبحانه :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) (١).
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٣).
__________________
(١) الحديد : ٢٦.
(٢) البقرة : ١٢٤.
(٣) النساء : ٥٤.