فقالت : أوَلَمْ تسمع أنّ الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١)؟ أوَلم تسمع أنّ الله يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢)؟ قالت : ومن زعم أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كتم شيئاً من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية والله يقول : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٣) قالت : ومن زعم أنّه يُخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) (٤) (٥).
* * *
التاسع : أنّ للشيخ الجصّاص الحنفي (ت ٣٧٠ ه) كلاماً رائعاً في تفسير قوله سبحانه : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقد فسّر الروايات الدالّة على الرؤية بالعلم الضروري الّذي لا يشوبه شبهة ، ولا تُعرض فيه الشكوك ، ولأجل إيقاف القارئ على كلام ذلك المفسّر الكبير الّذي هو من السلف الصالح نذكر نصّ كلامه :
قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) يقال : إنّ الإدراك أصله اللحوق ، نحو قولك : أدرك زمان المنصور ، وأدرك أبا حنيفة ، وأدرك الطعام ، أي لحق حال النُّضْج ، وأدرك الزرع والثمرة ، وأدرك الغلامُ إذا لحق حال الرجال ، وإدراك البصر للشيء لحوقه له برؤيته إيّاه ، لأنّه لا خلاف بين أهل اللغة إنْ قال القائل أدركت ببصري شخصاً معناه : رأيته ببصري ، ولا يجوز أن يكون
__________________
(١) الأنعام : ١٠٣.
(٢) الشورى : ٥١.
(٣) المائدة : ٦٧.
(٤) النمل : ٦٥.
(٥) النووي ، شرح صحيح مسلم ٣ : ٨.