الإدراك الإحاطة ؛ لأنّ البيت محيط بما فيه وليس مدركاً له ، فقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) معناه : لا تراه الأبصار ، وهذا مدح ينفي رؤية الأبصار كقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (١) وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإنّ إثبات ضدّه ذَمّ ونَقْص فغير جائز إثبات نقيضه بحال ، كما لو بطل استحقاق الصفة بلا تأخذه سِنَة ولا نوم لم يبطل إلّا إلى صفة نقص ، فلمّا تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضدّه ونقيضه بحال ؛ إذ كان فيه إثبات صفة نقص.
ولا يجوز أنْ يكون مخصوصاً بقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢) لأنّ النظر محتمل لمعان ، منه انتظار الثواب كما روي عن جماعة من السلف ، فلمّا كان ذلك محتملاً للتأويل لم يجز الاعتراض عليه بما لا مساغ للتأويل فيه ، والأخبار المرويّة في الرؤية إنّما المراد بها العلم لو صحّت ، وهو علم الضرورة الّذي لا تشوبه شبهة ولا تعرض فيه الشكوك ؛ لأنّ الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة (٣).
* * *
العاشر : أنّ من كتبَ حول الرؤية من إخواننا أهل السنة ـ من غير فرق بين النافي والمثبت ـ فقد دقّ كلّ باب ، ورجع إلى كلّ صحابي وتابعي ، ومتكلّم وفيلسوف ، ولكن لم يدقّ باب أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وفي مقدّمتهم الإمام علي عليهالسلام باب علم النبيّ وأقضى الأُمّة وأحدُ الثقلين اللّذين تركهما النبيّ صلىاللهعليهوآله لهداية الأُمّة ، فقد طفحت خطبه التوحيدية بتنزيهه سبحانه عن رائحة التجسيم وشوب الجهة
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.
(٢) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.
(٣) محمّد بن علي الرازي الجصّاص ، أحكام القرآن ٣ : ٤.