ويخدعهم ، ويطوف بين البلاد ناشراً دعواه ، بل واستطاع أن يكوّن خلايا ضدّ عثمان ويستقدمهم على المدينة ، ويؤلّبهم على الخلافة الإسلامية ، فيها جموا داره ويقتلوه ، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان ، هذا شيء لا يحتمله العقل وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب.
بل إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين وتصوّرهم أُمّة ساذجة يغترّون بفكر يهودي ، وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكّرون.
٢ ـ إنّ القراءة الموضوعية للسيرة والتاريخ توقفنا على سيرة عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان ؛ فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم ، وينفون المخالفين ويضربونهم ، فهذا أبو ذر الغفاري ـ رحمهالله ـ نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته ، كما أنّه ضرب الصحابي الجليل عمّار بن ياسر حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعاً من أضلاعه (١) ، إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم التي يقف عليها المتتبّع ، ومع ذلك نرى في الأوهام التي عرضناها مسبقاً أنّ رجال الخلافة وعمالها يغضّون الطرف عمّن يؤلِّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم ، وقتل خليفتهم في عقر داره ، ويجرّ الويل والويلات على كيانهم!! وهذا شيء لا يقبله من له أدنى إلمام بتاريخ الخلافة وسيرة معاوية.
يقول العلّامة الأميني : لو كان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن ، وشقّ عصا المسلمين ، وقد علم به وبعبثه أُمراء الأُمّة وساستها في البلاد ، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت ، فلما ذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يبلغه القبض عليه ، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة والتأديب بالضرب والإهانة ، والزجّ إلى أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلى الإعدام المريح للأُمّة من شرّه وفساده كما وقع ذلك كلّه على الصلحاء
__________________
(١) الاستيعاب ٢ : ٤٢٢.