الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؟ وهتاف القرآن الكريم يرنُّ في مسامع الملأ الديني : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) فهلّا اجتاح الخليفة جرثومة تلك القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهّمه وغلظته قصراً على الأبرار من أُمّة محمّد صلىاللهعليهوآله ففعل بهم ما فعل (٢)؟!!
وهناك لفيف من الكتّاب ممّن حضر أو غبر ، بدل أن يفتحوا عيونهم على الواقع المرير ، ليقفوا على الأسباب المؤدّية إلى قتل الخليفة ، حاولوا التخلّص من أوزار الحقيقة بالبحث عن فروض وهميّة سبّبت قتل الخليفة وأودت به.
وفي حقّ هؤلاء يقول أحد الكتّاب المعاصرين :
«وفي الشرق كتَّابٌ لا يعنيهم من التاريخ واقعٌ ولا من الحياة حالٌ أو ظرف ، فإذا بهم يعلّلون ثورة المظلومين على عثمان ، ويحصرون أحداث عصر بل عصور بإرادة فرد يطوف في الأمصار والأقطار ويؤلّب الناس على خليفة ودولة!.
إنّ النتيجة العملية لمثل هذا الزعم وهذا الافتراء هي أنّ الدولة في عهد عثمان ووزيره مروان إنَّما كانت دولة مثاليّة ، وأنّ الأمويين والولاة والأرستقراطيين إنَّما كانوا رُسُل العدالة الاجتماعية والإخاء البشري في أرض العرب. غير أنّ رجلاً فرداً هو عبد الله بن سبأ أفسد على الأمويين والولاة والأرستقراطيين صلاحهم وبرّهم ؛ إذ جعل يطوف الأمصار والأقطار مؤلّباً على عثمان وأُمرائه وولاته الصالحين المُصلحين ، ولو لا هذا الرجل الفرد وطوافه في الأمصار والأقطار لعاش الناس في نعيم مروان وعدل الوليد وحلم معاوية عيشاً هو الرغادة وهو الرخاء.
__________________
(١) المائدة : ٣٣.
(٢) الغدير ٩ : ٢١٩ ـ ٢٢٠.