ولما ضاق الخناق على بعضهم قال بوجود رؤيتين : إحداهما عامّة للمؤمن والكافر ؛ وهي الرؤية يوم القيامة ، والأُخرى خاصّة بالمؤمنين ؛ وهي الرؤية في الجنّة (١). وهو كما ترى ؛ فإنّ ظرف الرؤية للمؤمنين في رواية أبي هريرة هو يوم القيامة كما سيوافيك ، وفيه يرى المؤمنون خالقهم على صورته الواقعيّة.
وفي الختام نقول : إنّ منزلة آيات اللقاء هي منزلة آيات الرجوع إلى الله ، قال سبحانه : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢) ولم نر سلفيّاً أو أشعريّاً يستدلّ بها على رؤية الله سبحانه ، مع أنّ وزان الجميع واحد.
الآية الخامسة : آية الحَجْب
(كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٣).
هذه الآية استدلّ بها غيرُ واحد من القائلين بالرؤية.
قال الآلوسي : لا يرونه تعالى وهو حاضرٌ ناظرٌ لهم بخلاف المؤمنين ؛ فالحجاب مجاز عن عدم الرؤية ؛ لأنّ المحجوب لا يرى ما حُجِبَ ؛ إذْ الحَجْب : المنع ، والكلام على حذف مضاف ، أي عن رؤية ربّهم الممنوعة ؛ فلا يرونه سبحانه ، واحتجّ بالآية مالك على رؤية المؤمنين له تعالى من جهة دليل الخطاب ، وإلّا فلو حجب الكلّ لما أَغنى هذا التّخصيص ، وقال الشافعي : لمّا حجب سبحانه قوماً بالسُّخْط دلّ على أنّ قوماً يرونه بالرّضا ، وقال أنس بن مالك : لمّا حجب عزوجل أعداءه سبحانه فلم يروه تجلّى جلّ شأنه لأوليائه حتّى
__________________
(١) الدكتور أحمد بن ناصر ، رؤية الله تعالى : ٢٤٠.
(٢) البقرة : ١٥٦.
(٣) المطففين : ١٤ ـ ١٧.