رأوه عزوجل (١).
ويلاحظ على هذا الكلام : أنّ الآية بصدد تهديد المجرمين وإنذارهم ، وهذا لا يحصل إلّا بتحذيرهم وحرمانهم من رحمته ، وتعذيبهم في جحيمه ، وأمّا تهديدهم بأنّهم سيحرمون عن رؤيته تبارك وتعالى فلا يكون مؤثّراً فيمن غلبت على قلبه آثار المعاصي والمآثم فلا يفكر يوماً بالله ولا برؤيته ، وعلى ذلك ، فالمراد أنّ هؤلاء محجوبون يوم القيامة عن رحمته وإحسانه وكرمه ، وبعد ما مُنِعوا من الثواب والكرامة يكون مصير هؤلاء إلى الجحيم ، ولذلك رتّب على خيبتهم وحرمانهم قوله : (إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
هذه هي الآيات الّتي وقعت ذريعة للاستدلال على العقيدة المستوردة من الأحبار والرهبان إلى المسلمين ، فزعم المحدّثون والمغترّون كونها عقيدة إسلامية ، فحشروا الآيات للبرهنة عليها سواء كانت بها دلالة أم لا.
ولو كان المستدلّون متجرّدين عن عقائدهم لفهموا أنّ هذه الآيات نزلت لبيان مفاهيم أخلاقية واجتماعية وسوق المجتمع إلى العمل الصالح وعدم التورّط في المعاصي ، وأين هي من الدلالة على أصل كلامهم حول الرؤية؟!
إنّ الله سبحانه ذكر نعم الجنّة الكثيرة ومقامات المؤمنين ، ولو كانت الرؤية من أماثل نعمه سبحانه فلما ذا لم يذكرها بوضوح كسائر النعم؟
__________________
(١) الآلوسي ، روح المعاني ٣٠ : ٧٣.