٤ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) يقابلها : (لِسَعْيِها راضِيَةٌ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (١).
أُنظر إلى الانسجام البديع ، والتّقابل الواضح بينهما ، والهدف الواحد ، حيث الجميع بصدد تصنيف الوجوه يوم القيامة ، إلى ناضر ومسفر ، وإلى ناعم وباسر ، وإلى أسود (غبرة) وخاشع.
أمّا جزاء الصنف الأوّل فهو الرحمة والغفران ، وتحكيه الجمل التالية :
(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ).
وأمّا جزاء الصنف الثاني فهو العذاب والابتعاد عن الرحمة ، وتحكيه الجمل التالية :
(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) ، (تَصْلى ناراً حامِيَةً).
أفبعْدَ هذا البيان يبقى شكّ في أنّ المراد من (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) هو انتظار الرحمة!! والقائل بالرؤية يتمسّك بهذه الآية ، ويغضّ النظر عمّا حولها من الآيات ، ومن المعلوم أنّ هذا من قبيل محاولة إثبات المدّعى بالآية ، لا محاولة الوقوف على مفادها.
ويدلّ على ذلك أنّ كثيراً ما تستخدم العرب النظر بالوجوه في انتظار الرحمة أو العذاب ، وإليك بعض ما ورد في ذلك :
وجوهٌ بها ليلُ الحجازِ على الهوى |
|
إلى ملكٍ كهفِ الخلائقِ ناظرَهْ |
وجوهٌ ناظرات يومَ بدرٍ |
|
إلى الرحمنِ يأتي بالفلاحِ |
فلا نشكّ أنّ قوله : وجوهٌ ناظرات بمعنى رائيات ، ولكن النظر إلى الرحمن هو كناية عن انتظار النصر والفتح.
إنّي إليك لما وعدتَ لناظرٌ |
|
نظرَ الفقيرِ إلى الغني الموسرِ |
__________________
(١) الغاشية : ٨ ـ ١٠.