لا يعلم إلّا برفع إبهام الآية بمقابلها ، فنقول : إنّ هناك ست آيات تقابلها ثلاث ، وهي كالآتي :
١ ـ (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يقابلها : (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ).
٢ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) يقابلها : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ).
٣ ـ (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يقابلها : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).
فلا شك أنّ الآيات الأربع الاول واضحة لا خفاء فيها ، وإنّما الإبهام وموضع النقاش هو الشقّ الأوّل من التقابل الثالث ، فهل المراد منه جدّاً هو الرؤية ، أو أنّها كناية عن انتظار الرحمة؟ والّذي يعيّن أحد المعنيين هو الشقّ الثاني من التقابل الثالث ، أعني : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فهو صريح في أنّ أصحاب الوجوه الباسرة ينتظرون العذاب الكاسر لظهرهم ، ويظنّون نزوله. وهذا الظن لا ينفكّ عن الانتظار ، فكلّ ظانّ لنزول العذاب منتظر ، فيكون قرينة على أنّ أصحاب الوجوه المشرقة ينظرون إلى ربّهم ، أي يرجون رحمته ، وهذا ليس تصرّفاً في الآيات ولا تأويلاً لها ، وإنّما هو رفع الإبهام عن الآية بالآية المقابلة لها ، وترى ذلك التقابل والانسجام في آيات أُخرى ، غير أنّ الجميع سبيكة واحدة.
١ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) يقابلها : (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (١).
٢ ـ (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) يقابلها : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٢).
فإنّ قوله : (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) قائم مقام قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فيرفع إبهام الثاني بالأوّل.
٣ ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) يقابلها : (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ* تَصْلى ناراً حامِيَةً) (٣).
__________________
(١) عبس : ٣٨ ـ ٣٩.
(٢) عبس : ٤٠ ـ ٤١.
(٣) الغاشية : ٢ ـ ٤.