فلا ريب أنّ اللفظين في الشعر وإن كانا بمعنى الرؤية ، ولكن نظر الفقير إلى الغني ليس بمعنى النظر بالعين ، بل الصبر والانتظار حتّى يعينه.
قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١) ، والمراد من قوله : (لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) هو طردهم عن ساحته وعدم شمول رحمته لهم وعدم تعطّفه عليهم ، لا عدم مشاهدته إيّاهم ؛ لأنّ رؤيته وعدمها ليس أمراً مطلوباً لهم حتى يهدّدوا بعدم نظره سبحانه إليهم ، بل الذي ينفعهم هو وصول رحمته إليهم ، والّذي يصحّ تهديدهم به هو عدم شمول لطفه لهم ، فيكون المراد عدم تعطّفه إليهم ، على أنّ تفسير قوله (لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) ب «لا يراهم» يستلزم الكفر ، فإنّه سبحانه يرى الجميع (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).
والحاصل : أنّ النظر إذا أُسند إلى العيون يكون المعنى بالمراد الاستعمالي والجدّي هو الرؤية على أقسامها ، وإذا أُسند إلى الشخص كالفقير أو إلى الوجوه فيراد به الرؤية استعمالاً والانتظار جدّاً.
ثمّ إنّ لصاحب الكشاف هنا كلمةً جيدة ، حيث يقول بهذا الصدد : يقال : «أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي» يريد معنى التوقّع والرجاء ، ومن هذا القبيل قوله :
وإذا نظرت إليك من ملك |
|
والبحر دونك زدتني نِعَما |
وقال : سمعت سروية مستجدية بمكّة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقايلهم تقول : عُيينتي نويظرة إلى الله وإليكم ، تقصد راجية ومتوقّعة لإحسانهم إليها ، كما هو معنى قولهم : أنا أنظر إلى الله ثمّ إليك ، وأتوقّع فضل الله ثمّ فضلك (٢).
__________________
(١) آل عمران : ٧٧.
(٢) الزمخشري ، الكشّاف ٣ : ٢٩٤.