موسى عليهالسلام إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ؛ لأنّ الله عزوجل أحدَثَه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الّذي سمعناه كلامُ الله حتّى نرى الله جهرةً ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عزوجل عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم ؛ لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك؟ فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يراك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته ، فقال موسى عليهالسلام : يا قوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله ، فقال موسى عليهالسلام : يا ربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) (بآية من آياته) (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) (يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي) (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنّك لا تُرى».
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة (١).
وللزمخشري في المقام تفسير رائع قال : ما كان طلب الرؤية إلّا ليبكت هؤلاء
__________________
(١) الصدوق ، التوحيد : ١٢١ / ح ٢٤ باب ما جاء في الرؤية.