وصف السؤال بالسفاهة ، فلم يبق هناك إلّا احتمال آخر ؛ وهو أنّه بعد ما عاد قومه إلى الحياة أصرّوا على موسى وألحّوا عليه أن يسأل الرؤية لنفسه لا لهم ، حتّى تحلّ رؤيته لله مكان رؤيتهم ، فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية (١) ، وهذا هو المعقول والمرتقب من قوم موسى الّذين عرفوا بالعناد واللجاج ، وبما أنّ موسى لم يُقْدِم على السؤال إلّا بإصرارٍ منهم لكي يسكتهم ، لذلك لم يتوجّه إلى الكليم أيُّ تَبِعة ولا مؤاخذة ، بل خوطب بقوله : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٢).
وللإمام عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام هنا كلام حول سؤال موسى :
قال عليّ بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى عليهماالسلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك : أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قول الله عزوجل : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليهالسلام لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا تجوز عليه الرؤية حتّى يسأله هذا السؤال؟
فقال الرضا عليهالسلام : «إنّ كليم الله موسى بن عمران عليهالسلام علم أنّ الله تعالى عن أن يُرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزوجل وقرّبه نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله عزوجل كلّمه وقرّبه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سَيناءَ ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد
__________________
(١) أو لتستمعوا إلى النصّ باستحالة ذلك من عند الله كما سيوافيك في كلام الزمخشري.
(٢) الأعراف : ١٤٣.