الّذين دعاهم سفهاء وضُلّالاً وتبرّأ من فعلهم ، وذلك أنّهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبّههم على الحقّ ، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم ، وقالوا لا بدّ ، ولن نؤمن حتّى نرى الله جهرةً ، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله : (لَنْ تَرانِي) ليتيقّنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١).
وعلى كلّ تقدير فما ذكره صاحب الكشّاف قريب ممّا ذكرناه ، وكلا البيانين يشتركان في أنّ السؤال لم يكن بدافعٍ من نفس موسى ، بل بضغط من قومه.
ولكن الرازي ناقش في هذه المقالة وقال :
ظاهر الحال يقتضي أنْ تكون هذه القصة مغايرة للقصة المتقدّمة ؛ لأنّ الألْيَق بالفصاحة إتمام الكلام في القصّة الأُولى في وضع واحد ثمّ الانتقال منها بعد تمامها إلى غيرها ، فأمّا ذكر بعض القصة (سؤال موسى الرؤية) ثمّ الانتقال منها إلى قصة أُخرى (اتّخاذ العجل ربّاً) ثمّ الانتقال منها بعد تمامها إلى بقيّة الكلام في القصة الأُولى (سؤال قوم موسى) يوجب نوعاً من الخَبْط والاضطراب ، والأَولى صون كلام الله تعالى عنه (٢).
والجواب : أنّه سبحانه أخذ ببيان قصة مواعدة موسى ثلاثين ليلة من الآية ١٤٢ وختمها في الآية ١٥٥ ، فالمجموع قصة واحدة كسبيكة واحدة ، ولكن سبب العود إلى ما ذكر في أثناء القصة في آخرها هو إبراز العناية بسؤال الرؤية باعتباره مسألة مهمّة في حياة بني إسرائيل.
فقد اتّضح ممّا ذكرنا عدم دلالة الآية على إمكان رؤيته سبحانه بطلب موسى.
* * *
__________________
(١) الزمخشري ، الكشّاف ١ : ٥٧٣ ـ ٥٧٤ ط مصر.
(٢) الرازي ، مفاتيح الغيب ١٥ : ٧٠.