وقال : (سُبْحانَكَ) وذلك لأنّ الرؤية لا تنفكّ عن الجهة والجسمية وغيرهما من النقائص ، فنزّه سبحانه عنها ، فطلبها نوع تصديق لها.
ومن مصاديق التفسير بالرأي ما ربّما يقال : إنّ المراد ـ من التنزيه هنا ـ هو تنزيه الله وتعظيمه وإجلاله عن أنْ يتحمّل رؤيته مَنْ كتب عليه الفناء ، حتى لا يتعارض مع ما ورد من إثبات الرؤية عن الله ورسوله في دار الآخرة ، وليست الرؤية من النقائص على ما يدّعيه نفاتها ، فهي ليست نقصاً في المخلوق ، بل هي كمال ، وكلّ كمال اتّصف به المخلوق وأمكن أنْ يتّصف به الخالق فالخالق أولى (١).
يلاحظ عليه : بأنّه من أين وقف على اختصاص النفي بمن كتب عليه الفناء ، مع إطلاق الآية ، ولما ذا لا يجعل الموضوع لعدم تحمّلها الوجود الإمكاني القاصر المحفوظ في كلتا الدارين.
وما ذكره في آخر كلامه من أنّ كلّ كمال اتّصف به المخلوق وأمكن أن يتّصف به الخالق فالخالق أولى به صحيح من حيث الضابطة والقانون ، لكنّه باطل من حيث التطبيق على المورد ؛ فإنّ ما يوصف به المخلوق على قسمين : فمنه ما يكون كمالاً له ككونه عالماً قادراً حيّاً سميعاً بصيراً ، فالله أولى بأن يوصف به ، ومنه ما لا يكون كمالاً له ككونه مرئياً للغير ، فلا يوصف به سبحانه ، ولو افترضنا كونه كمالاً للأوّل ، لكنّه يكون موجباً للنقص في الثاني لاستلزامه التجسيم والتشبيه والجهة والحاجة إلى المكان ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
وكان الأولى للكاتب وأشباهه أن لا يخوضوا في غمار هذه المسائل التي تحتاج إلى قدر كبير من التفكّر والعناية الخاصّة.
إذا لم تستطع أمراً فدعهُ |
|
وجاوِزْهُ إلى ما تستطيعُ |
__________________
(١) الدكتور أحمد بن ناصر ، رؤية الله تعالى : ٤٧ ـ ٤٨.