والحاصل : أنّ المعلّق عليه هو وجودُ الاستقرار بِغَضّ النظرِ عن كونهِ أمراً ممكناً أو مستحيلاً ، والمفروض أنّه لا يستقرّ ، فبانتفائه ينتفي ما علّق عليه وهو الرؤية.
وبالإمعان فيما ذكر تستغني عن جلّ ما ذكره المتكلّمون من المعتزلة والأشاعرة حول المعلّق عليه (١).
ولإراءة نموذج من كلامهم نأتي بما ذكره الرازي ، قال : إنّه تعالى علّق رؤيته على أمر جائز ، والمعلّق على الجائز جائز ، فيلزم كون الرؤية في نفسها جائزة بدليل قوله : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (٢) واستقرار الجبل أمرٌ جائزُ الوجود في نفسه ، فثبت أنه تعالى علّق رؤيته على جائز الوجود في نفسه ... (٣).
ويلاحظ على كلامه أنّ المعلّق عليه ليس إمكانُ الاستقرار وكونه أمراً ممكناً مقابل كونه أمراً مُحالاً عليه حتّى يكون أمراً حاصلاً ويلزم منه وجود المعلّق ، أعني الرؤية ، مع أنّ المفروض عدمها ، بل المعلّق عليه بقاء الجبل على ما كان عليه ؛ إذ لو كان المعلّق عليه إمكان الاستقرار يلزم نقض الغرض وتحقّق الرؤية لموسى عليهالسلام بل المعلّق عليه هو بقاء الجبل على حالته الّتي كان عليها حين التكلّم ، والمفروض أنّه لم يبقَ عليها ، بل دُكَّ وصار تراباً مستوياً بالأرض ، فبانتفائه انتفى المعلَّق ، أعني : الرؤية.
٣ ـ تنزيهه سبحانه بعد الإفاقة عن الرؤية :
تذكر الآية أنّ موسى لما أفاق فأوّلُ ما تكلّم به هو تسبيحه سبحانه وتنزيهه
__________________
(١) القاضي عبد الجبار ، شرح الأُصول الخمسة : ٢٦٥ ؛ والشريف الجرجاني ، المواقف ٨ : ١٢١ ؛ والرازي ، مفاتيح الغيب ١٤ : ٢٣١ ، ولا حاجة لنقل كلماتهم في المقام.
(٢) الأعراف : ١٤٣.
(٣) الرازي ، مفاتيح الغيب ١٤ : ٢٣١.