الآية الثانية : ولا يحيطون به علماً
قال سبحانه : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١).
إنّ الآية تتركّب من جزءين :
الأوّل : قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ).
الثاني : قوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
والضمير المجرور في قوله : (بِهِ) يعود إلى الله سبحانه.
ومعنى الآية :
الله يحيطُ بهم لأنّه (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ويكون معادلاً لقوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ولكنّهم (لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). ويساوي قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ).
وأمّا كيفية الاستدلال فبيانُها أنّ الرؤية سواء أوَقعت على جميع الذات أم على جزئها ، فهي نوع إحاطةٍ علميّة من البشر به سبحانه ، وقد قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
ولكن الرازي لأجل التهرّب من دلالة الآية على امتناع رؤيته سبحانه قال : بأنّ الضمير المجرور يعود إلى قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم ، والله سبحانه محيطٌ بما بينَ أيديهم وما خلفَهم.
أقول : إنّ الآية تحكي عن إحاطته العلمية سبحانه يوم القيامة بشهادةِ ما قبلَها : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) ، وعندئذٍ
__________________
(١) طه : ١٠٩ ـ ١١٠.