بالمعنى اللغوي مع حذف الكيفية ، يكون مساوياً لنفي معناه اللغوي ، ويكون راجعاً إلى تفسيره بالمعاني المجازية التي تفرّون منها فرار المزكوم من المسك ، ومثله القدم والوجه.
وبعبارة أُخرى : أنّ الحنابلة والأشاعرة يصرّون على أنّ الصفات الخبرية ، كاليد والرجل والقدم والوجه في الكتاب والسنّة ؛ يجب أن تُفسّر بنفس معانيها اللغوية ، ولا يجوز لنا حملها على معانيها المجازية ، كالقدرة في اليد مثلاً ، ولما رأوا أنّ ذلك يلازم التجسيم التجئوا إلى قولهم «يد بلا كيف» ولكنّهم خفي عنهم أنّ الكيفية في اليد والوجه وغيرهما مقوّمة لمفاهيمها ، فنفي الكيفية يساوق نفي المعنى اللغوي ، فكيف يمكن الجمع بين المعنى اللغوي والحمل عليه بلا كيف؟!
ومنه يعلم حال الرؤية بالبصر والعين ؛ فإنّ التقابل مقوّم لمفهومها ، فإثباتها بلا كيف يلازم نفي أصل الرؤية ، وقد عرفت أنّ الكلام في النظر بالبصر والرؤية بالعين ، لا الرؤية بالقلب أو في النوم.
وقد أوضحنا حال الصفات الخبرية في بحوثنا الكلاميّة (١).
٢ ـ اختلاف الأحكام باختلاف الظروف :
إنّ بعض المثقّفين الجُدد لمّا أدركوا بعقولهم أنّ الرؤية لا تنفكّ عن الجهة التجئوا إلى القول بأنّ كلّ شيء في الآخرة غيره في الدنيا ، ولعلّ الرؤية تتحقّق في الآخرة بلا هذا اللّازم السلبي.
لكن هذا الكلام رجمٌ بالغيب ؛ لأنّه إنْ أراد من المغايرة بأنّ الآخرة ظرف للتكامل وأنّ الأشياء توجد في الآخرة بأكمل الوجوه وأمثلها ، فهذا لا مناقشة فيه ، يقول سبحانه : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ
__________________
(١) لاحظ بحوث في الملل والنحل ٢ : ٩٦ ـ ١٠٥.