المسبيّين عند نهر خابور ، أنّ السماوات انفتحت فرأيت رئي الله ـ إلى أن قال : ـ هذا منظر شبه مجد الربّ ، ولما رأيته خررت على وجهي وسمعت صوت متكلّم (١).
إنّ فكرة الرؤية تسرّبت إلى المسلمين من المتظاهرين بالإسلام ، كالأحبار والرهبان ، وصار ذلك سبباً لجرأة طوائف من المسلمين على جعلها في ضمن العقيدة الإسلامية ، بحيث يُكفَّر منكرها أحياناً أو يفسَّق ، ولما صارت تلك العقيدة راسخة في القرنين الثاني والثالث بين المسلمين ، عاد المتكلّمون الّذين تربوا بين أحضانهم للبرهنة والاستدلال على تلك الفكرة من الكتاب أولاً والسنة ثانياً ، ولو لا رسوخها بينهم لما تحمّلوا عبء الاستدلال وجهد البرهنة ، وسوف يوافيك أنّ الكتاب يردّ فكرة الرؤية ويستعظم أمرها وينكرها بشدّة ، وما استدلّ به على جواز الرؤية من الكتاب فلا يمت إلى الموضوع بصلة.
إنّ مسألة رؤية الله تعالى قد طرحت على صعيد البحث والجدال في القرن الثاني ، عند ما حيكت العقائد على نسق الأحاديث ، ووردت فيها رؤيته سبحانه يوم القيامة ، فلأجل ذلك عدّت من العقائد الإسلامية ، حتّى أنّ الإمام الأشعري عند ما تاب عن الاعتزال ولحق بأهل الحديث رقى يوم الجمعة كرسيّاً ونادى بأعلى صوته : من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه نفسي ، أنا فلان بن فلان كنت قلت بخلق القرآن ، وأنّ الله لا يُرى بالأبصار ، وانّ أفعال الشرّ أنا أفعلها ، وإنّي تائب مقلع معتقد للردّ على المعتزلة (٢).
وقال في الإبانة : وندين بأنّ الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون ، كما جاءت الروايات عن رسول الله (٣).
__________________
(١) حزقيال ١ : ١ و ٢٨.
(٢) ابن النديم ، الفهرست : ٢٧١ ؛ ابن خلكان ، وفيات الأعيان ٣ : ٢٨٥.
(٣) الإمام الأشعري ، الابانة : ٢١.