وقال في كتابه الآخر : بسم الله ، إن قال قائل : لم قلتم إنّ رؤية الله بالأبصار جائزة من باب القياس؟ قيل له : قلنا ذلك ؛ لأنّ ما لا يجوز أن يوصف به تعالى ويستحيل عليه لا يلزم في القول بجواز الرؤية (١).
وهذا النص يعرب عن أنّ الرؤية كانت في ذلك العصر وفي عصر الإمام أحمد جزءاً من العقائد الإسلامية ، ولذلك لا تجد كتاباً كلامياً إلّا ويذكر رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة ، ويقرّرها جزءاً من العقائد الإسلامية ، حتّى أنّ الإمام الغزالي مع ما أُوتي من مواهب كبيرة وكان من المصرّين على التنزيه ـ فوق ما يوجد في كتب الأشاعرة ـ لم يستطع أن يخرج عن إطار العقيدة ، وقال : العلم بأنّه تعالى ـ مع كونه منزّهاً عن الصورة والمقدار ، مقدّساً عن الجهات والأنظار ـ يُرى بالأعين والأبصار (٢).
ثمّ إنّهم اختلفوا في الدليل على الرؤية ؛ ففرقة منهم اعتمدوا على الأدلة العقلية دون السمعية ، كسيف الدين الآمدي أحد مشايخ الأشاعرة في القرن السابع (٥٥١ ـ ٦٣١ ه) يقول : لسنا نعتمد في هذه المسألة على غير المسلك العقلي ؛ إذ ما سواه لا يخرج عن المظاهر السمعية ، وهي ممّا يتقاصر عن إفادة القطع واليقين ، فلا يذكر إلّا على سبيل التقريب» (٣).
وفرقة أُخرى كالرازي وغيره قالوا : العمدة في جواز الرؤية ووقوعها هو جواز السمع ، وعليه الشيخ الشهرستاني في نهاية الإقدام (٤).
__________________
(١) الإمام الأشعري ، اللمع : ص ٦١ بتلخيص.
(٢) الغزالي ، قواعد العقائد : ص ١٦٩.
(٣) الآمدي ، غاية المرام في علم الكلام : ١٧٤.
(٤) الرازي ، معالم الدين : ص ٣٧ ؛ والأربعون : ص ١٤٨ ؛ والمحصل : ص ١٣٨ ؛ والشهرستاني ، نهاية الإقدام : ص ٣٦٩.