شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (١).
وقال سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢).
وخلاصة القول : إنّ السنن مختلفة ، فللتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ، ولكن الدين هو الأُصول والعقائد والأحكام التي تساير الفطرة الإنسانية ولا تخالفها واحدة منها.
وهاتان الآيتان لا تهدفان إلى اختلاف الشرائع في جميع موادّها ، ومواردها اختلافاً كلّياً بحيث تكون النسبة بينها نسبة التباين ، كيف وهو سبحانه يأمر نبيَّه بالاقتداء بهدى أنبيائه السالفين ويقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٣).
نعم جاءت الرسل تترى ، وتواصلت حلقات النبوّة في الأدوار الماضية إلى أن بعث الله آخر سفرائه فأتمّ نعمته وأكمل به دينه ، فأصبح المجتمع البشري في ظلّ دينه الكامل ، وكتابه الجامع ، غنياً عن تواصل الرسالة وتعاقب النبوّة ، وأصبح البشر غير محتاجين إلى إرسال أيّ رسول بعده ؛ إذ جاء الرسول بأكمل الشرائع وأتقنها وأجمعها للحقوق وبكلّ ما يحتاج إليه البشر في أدوار حياتهم وأنواع تطوراتهم ، وفي الوقت نفسه فيها مرونة تتمشى مع جميع الأزمنة والأجيال ، من دون أن تمسّ جوهرَ الرسالة الأصلي بتحوير وتحريف. وإليك أدلّة خاتميته من الكتاب أولاً ، والسنّة ثانياً ، أمّا الكتاب ففيه نصوص :
__________________
(١) المائدة : ٤٨ أي جعلنا لكلٍّ من موسى وعيسى ومحمد عليهمالسلام أو لكلٍّ من أُمم التوراة والإنجيل والقرآن شريعة وطريقاً خاصاً إلى ما هو الهدف الأقصى من بعث الرسل ومنهاجاً واضحاً ، والاختلاف بين الكتب والشرائع جزئي لا كلّي ، والنسخ في بعض الأحكام لا في جميعها.
(٢) الجاثية : ١٨.
(٣) الأنعام : ٩٠.