ومحمّد صلىاللهعليهوآله مصدّق لما بين يديه من الكتب وكتابه مهيمن عليه ، كما قال سبحانه : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) (١) ، (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٢).
وهذه النصوص كلّها تعبّر عن وحدة أُصول الشرائع وجذورها ولبابها.
وعلى هذا فرسالة السماء إلى الأرض ، رسالة واحدة في الحقيقة مقولة بالتشكيك ، متكاملة عبر القرون جاء بها الرسل طوال الأجيال وكلّهم يحملون إلى المجتمع البشري رسالة واحدة ؛ لتصعد بهم إلى مدارج الكمال ، وتهديهم إلى معالم الهداية ومكارم الأخلاق.
نعم كان البشر في بدايات حياتهم يعيشون في غاية البساطة والسذاجة ، فما كانت لهم دولة تسوسهم ، ولا مجتمع يخدمهم ، ولا ذرائع تربطهم ، وكانت أواصر الوحدة ووشائج الارتباط بينهم ضعيفة جداً ، فلأجل ذاك القصور في العقل ، وقلّة التقدم ، وضعف الرقي ، كانت تعاليم أنبيائهم ، والأحكام المشروعة لهم طفيفة في غاية البساطة ، فلما أخذت الإنسانية بالتقدّم والرقي ، وكثرت المسائل يوماً فيوماً ، اتّسع نطاق الشريعة واكتملت الأحكام تلو هذه الأحوال والتطوّرات.
فهذه الشرائع (مع اختلافها في بعض الفروع والأحكام نظراً إلى الأحوال الأُممية والشئون الجغرافية) لا تختلف في أُصولها ولبابها ، بل كلّها تهدف إلى أمر واحد ، وتسوق المجتمع إلى هدف مفرد ، والاختلاف إنّما هو في الشريعة والمنهاج لا في المقاصد والغايات كما قال سبحانه : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ
__________________
(١) المائدة : ٤٦.
(٢) المائدة : ٤٨.