في شتّى المواضع ، قال سبحانه : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (١) وظاهر الآية يعطي أنّ الدين عند الله ـ لم يزل ولن يزال ـ هو الإسلام في طول القرون والأجيال ، ويعاضدها قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٢). وقال سبحانه في مورد آخر مخطّئاً مزعمة اليهود والنصارى في رَمي بطل التوحيد إبراهيم باليهودية والنصرانية قال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣).
فحقيقة الشرائع السماوية في جميع الأدوار والأجيال كانت أمراً واحداً وهو التسليم لفرائضه وعزائمه وحده جلّ وعلا.
ولأجل ذلك كتب الرسول إلى قيصر عند ما دعاه إلى الإسلام ، قوله سبحانه : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٤).
وقد أمر سبحانه في آية أُخرى رسوله بدعوة معشر اليهود أو الناس جميعاً إلى اتّباع ملّة إبراهيم قال سبحانه : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٥).
وصرّح سبحانه بأنّ كلّ نبيّ جاء عقب نبيّ آخر ، كانَ يصرِّح بأنّه مصدِّق بوجود النبيّ المتقدّم عليه وكتابه ودينه ، فالمسيح مصدّق لما بين يديه من التوراة
__________________
(١) آل عمران : ١٩.
(٢) آل عمران : ٨٥.
(٣) آل عمران : ٦٧.
(٤) السيرة الحلبية ٢ : ٢٧٥ ، مسند أحمد ١ : ٢٦٢. والآية هي الرابعة والستّون من سورة آل عمران.
(٥) آل عمران : ٩٥.