العسرة ، والتي امتدت ألسنتها نحو الشيخ الطوسي نفسه ، فأُحرقت داره ، ومكتبته في كرخ بغداد ، فالتجأ سرّاً إلى النجف الأشرف ، تاركاً بلده الذي عاش فيه قرابة نصف قرن ، وأين هؤلاء من الفقهاء الذين تنعّموا بالهدوء والاستقرار ، واستقبلتهم السلطات الحاكمة بصدر رحب ، وأُجيزوا مقابل أبيات معدودة من الشعر الرخيص ، أو كتيب أو رسالة صغيرة بالهبات والعطايا.
١٠ ـ قدماء الشيعة وعلم أُصول الفقه
إنّ السنّة النبوية بعد القرآن الكريم هي المصدر للتشريع ، وقد سبق أنّ الخلافة ـ بعد رحلة الرسول صلىاللهعليهوآله ـ حالت دون تحديث ما تركه بين الأُمّة ، وكتابته وتدوينه. فلم تدوّن السنّة إلى عصر أبي جعفر المنصور ، إلّا صحائف غير منظّمة ولا مرتّبة ، إلى أن شرع علماء الإسلام في التدوين سنة (٥٣ ه) (١).
إنّ الحيلولة بين السنّة وتدوينها ونشرها أدّت إلى نتائج سلبية عظيمة ، منها قصور ما وصل إلى الفقهاء في ذلك العصر صحيحاً من الرسول صلىاللهعليهوآله عن تلبية متطلّباتهم في مجال الأحكام ، حتّى اشتهر عن إمام الحنفية أنّه لم يثبت عنده من أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآله في مجال التشريع إلّا سبعة عشر حديثاً.
ونحن وإن كنّا لا نتوافق مع ما حُكي عن النعمان ، ولكن نؤكّد على شيء آخر ، وهو أنّ ما ورد في مجموع الصحاح والمسانيد والسنن الأعم من الصحيح والضعيف في مجال الأحكام الشرعية لا يتجاوز ٥٠٠ حديث.
قال السيّد محمّد رشيد رضا : إنّ أحاديث الأحكام الأُصول لا تتجاوز ٥٠٠ حديث تمدّها (٢) أربعة آلاف موقوفات ومراسيل.
__________________
(١) جلال الدين السيوطي ، تاريخ الخلفاء : ٢٦١.
(٢) الوحي المحمّدي : ٢١٢ ، ط ٦. نعم أنهاه ابن حجر في كتابه «بلوغ المرام» إلى (١٥٩٦) حديثاً لكن كثيراً منها لا يتضمّن حكماً شرعياً ، وإنّما هي أحاديث أخلاقية وغيرها ، فلاحظ.