ويقول أيضاً في تفسيره : يقولون إنّ مصدر القوانين الأُمّة ، ونحن نقول بذلك في غير المنصوص في الكتاب والسنّة. كما قرّره الإمام الرازي والمنصوص قليل جدّاً (١).
وما ذكره من قضية الإمداد ، يوحي إلى الموقوفات عن الصحابة ، من دون أن يثبت صدورها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله فهذه الموقوفات تعرب عن اجتهادات الصحابة في المسألة. ومن المعلوم أنّ قول الصحابي لا يكون حجّة إلّا إذا نسبه إلى الرسول صلىاللهعليهوآله.
هذا وإنّ الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت ٨٥٢ ه) جمع كلّ ما ورد في مجال التشريع في كتاب أسماه بلوغ المرام من أدلّة الأحكام (٢) وهو كتاب صغير جدّاً.
إنّ افتقاد النصّ في مجال التشريع الذي واجه فقهاء أهل السنّة بعد رحلة الرسول صلىاللهعليهوآله ، هو الذي دعاهم إلى التفحّص عن الحلّ لهذه الأزمة حتّى تسدّ حاجاتهم الفقهية ، فعكفوا على المقاييس الظنّية التي ما أنزل الله بها من سلطان ، كالقياس ، والاستقراء ، والاستحسان ، وسدّ الذرائع ، وسنّة الخلفاء ، أو سنّة الصحابة ، أو رأي أهل المدينة ، إلى غير ذلك من القواعد ، أسّسوا عليها فقههم عبر قرون متمادية ، وقد جاء ذلك نواة لتأسيس علم أُصول الفقه بصورة مختصرة نمت ونضجت في الأجيال.
وأمّا الشيعة فحيث إنّهم لم يفتقدوا سنّة الرسول بعد وفاته لوجود باب علم النبيّ صلىاللهعليهوآله ؛ علي عليهالسلام والأئمّة المعصومين بين ظهرانيهم ، فلم تكن هناك أيّة حاجة للعمل بتلك المقاييس ، وبالتالي لم يكن هناك أيّ دافع للاتّجاه نحو أُصول الفقه.
نعم لمّا كان الإسلام ديناً عالمياً ، والنبيّ صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء ، والأُصول والسنن
__________________
(١) تفسير المنار ٥ : ١٨٩.
(٢) بلوغ المرام من أدلّة الأحكام ، ط مصر تحقيق محمّد حامد الفقيّ.