إلى غير ذلك ممّا يوجب ازدهار الوضع الاقتصادي ، فلا يصح إبعاد قوم عن تلك الساحة وتخصيص الازدهار الاقتصادي بطائفة دون أُخرى ؛ فإنّ الإنسان حسب الفطرة والدافع الغريزي ينساق إلى ذلك.
وأمّا النظم السياسية ؛ فإنّ الدول الإسلامية المختلفة قد ساهمت في إرساء دعائمها وتثبيت أركانها خلال سني حكمها ، ولا فرق في ذلك بين دول الشيعة منها كالحمدانيين والبويهيين والفاطميين وغيرهم كالساميين والسلاجقة وغيرهم.
وأمّا التقاليد الخلقية فقد كانت منبثقة من صميم الإسلام ، ومأخوذة من الكتاب والسنّة ، كما أنّ التقاليد القومية للشعوب المختلفة ، والتي لم تكن معارضة لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء فقد فسح لها الإسلام المجال ولم ينه عنها.
فلأجل ذلك نركّز على الركن الرابع من هذه الأركان الأربعة للحضارة ، وهو متابعة العلوم والفنون ، فهي الطابع الأساسي للحضارة الإسلامية ، وبها تتميّز عمّا تقدّم عليها وما تأخّر ، فنأتي بموجز عن دور الشيعة في بناء هذا الركن ـ أي ازدهار العلوم والفنون ـ ليظهر أنّهم كانوا في الطليعة ، وكان لهم الدور الأساسي في ازدهارها.
ولمّا كانت الحضارة الإسلامية تستمدّ أسباب وجودها من الكتاب والسنّة ، فكلّ من قدّم خدمة للقرآن والسنّة لفظاً ومعنى ، صورة ومادة ، فقد شارك في بناء الحضارة الإسلامية. وإليك هذا البيان تأييداً لما أسلفنا :
١ ـ قدماء الشيعة وعلم البيان
٢ ـ قدماء الشيعة وعلم النحو
إنّ دراسة القرآن بين الأُمّة ونشر مفاهيمه يتوقّف على معرفة العلوم التي تعدّ مفتاحاً له ؛ إذ لو لا تلك العلوم لكانت الدراسة ممتنعة ، ونشرها في ربوع العالم غير ميسور جدّاً. بل لو لا هذه العلوم ونضجها لحرم جميع المسلمين حتّى العرب منهم