من الاستفادة من القرآن الكريم ؛ لأنّ الفتوحات فرضت على المجتمع العربي الاختلاط مع بقية القوميات ، وسبَّب ذلك خطراً على بقاء اللغة العربية ، وكان العرب عند ظهور الإسلام يعربون كلامهم على النحو الذي كان في القرآن ، إلّا من خالطهم من الموالي والمتعرّبين ، ولكن اللحن لم يكثر إلّا بعد الفتوح وانتشار العرب في الآفاق ، فشاع اللحن في قراءة القرآن ، فمسّت الحاجة الشديدة إلى ضبط قواعد اللّغة (١).
فقام أبو الأسود الدؤلي بوضع قواعد نحوية بأمر الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، فأبو الأسود إمّا واضع علم النحو أو مدوّنه ، وكان من سادات التابعين ، وقد صاحب عليّاً وشهد معه صفّين ، ثمّ أقام في البصرة.
يقول الشيخ أبو الحسن سلامة الشامي النحوي : إنّ علياً دخل عليه أبو الأسود يوماً. قال : فرأيته مفكّراً ، فقلت له : ما لي أراك مفكّراً يا أمير المؤمنين؟ قال : «إنّي سمعت من بعض الناس لحناً ، وقد هممت أن أضع كتاباً أجمع فيه كلام العرب».
فقلت : إن فعلت ذلك أحييت أقواماً من الهلاك.
فألقى إليَّ صحيفة فيها : «الكلام كلّه اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما دلّ على المسمّى ، والفعل ما دلّ على حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى وليس باسم ولا فعل». وجعل يزيد على ذلك زيادات.
قال : واستأذنته أن أصنع في النحو ما صنع ، فأذن ، وأتيته به فزاد فيه ونقص.
وفي رواية : أنّه ألقى إليه الصحيفة وقال له : «انحَ نحو هذه» فلهذا سمّي النحو نحواً (٢).
__________________
(١) جرجي زيدان : تاريخ آداب اللغة العربية ١ : ٢١٩.
(٢) حسن الصدر ، تأسيس الشيعة : ٥١ ولقد بلغ الغاية في ذلك المجال فنقل كلمات المؤرّخين فيما قام به الإمام وتلميذه في تأسيس علم النحو.