غيرهم ـ وقال له : إنّي قد رأيت أن أُقلّدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك.
فقال له الرضا عليهالسلام : «الله الله يا أمير المؤمنين إنّه لا طاقة لي بذلك ولا قوّة لي عليه».
قال له : فإنّي موليك العهد من بعدي.
فقال له : «أعفني من ذلك يا أمير المؤمنين».
فقال له المأمون ـ كلاماً فيه التهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه ـ : إنّ عمر بن الخطّاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدّك أمير المؤمنين عليهالسلام وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه ، ولا بد من قبولك ما أُريد منك فإنّي لا أجد محيصاً عنه.
فقال له الرضا عليهالسلام : «فإنّي أُجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر ، ولا أنهى ، ولا أفتي ، ولا أقضي ، ولا أُولي ، ولا أعزل ، ولا أُغير شيئاً ممّا هو قائم» فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه (١).
أقول : ليس بخاف على ذي لبّ مغزى إصرار المأمون على تولية الإمام الرضا عليهالسلام لمنصب ولاية العهد ، وتبدو هذه الصورة واضحة عند استقراء الأحداث التي سبقت أو رافقت هذه المؤامرة المحكمة.
فعند ما قدّم هارون الرشيد ولده الأمين رغم إقراره ومعرفته بقوّة شخصيّة المأمون وذكائه قياساً بأخيه المدلّل الذي لا يشفع له إلّا مكانة أُمّه زبيدة الحاكمة في قصر الرشيد ، كان يعني ذلك إيذاناً بقيام الفتنة التي حصلت من بعد وراح ضحيتها عشرات الأُلوف وعلى رأسهم الأمين الذي وقف العباسيون إلى صفّه وقاتلوا معه ، ولما انتقلت السلطة بأكملها إلى المأمون المستقرّ في خراسان والمدعوم بأهلها
__________________
(١) الإرشاد : ٣١٠.