من جدّية هذا الأمر ، ثمّ كتب إليهم : «أمّا بعد ؛ فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليَّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم عليَّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى ، وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليَّ : أنّه قد اجتمع رأي ملَئِكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم ، وقرأته في كتبكم ، فإنّي أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله ، فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بدين الحق ، الحابس نفسه على ذات الله» (١).
ثمّ خرج الإمام من مكة متوجّهاً إلى الكوفة يوم التروية أو يوماً قبله مع أهل بيته وجماعة من أصحابه وشيعته ، وكان كتاب من مسلم بن عقيل قد وصل إليه يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً من أهل الكوفة ، وذلك قبل أن تنقلب الأُمور على مجاريها بشكل لا تصدّقه العقول ، حيث استطاع عبيد الله بن زياد بخبثه ودهائه ، وإفراطه في القتل ، أن يثبّط همم أهل الكوفة ، وأن تنكث بيعة الإمام الحسين عليهالسلام ، ويقتل سفيره بشكل وحشيّ بشع.
ولمّا أخذ الإمام عليهالسلام يقترب من الكوفة استقبله الحرّ بن يزيد الرياحي بألف فارس مبعوثاً من الوالي عبيد الله بن زياد لاستقدامه وإكراهه على إعطاء البيعة ليزيد ، وإرساله قهراً إلى الكوفة ، فعند ذلك قام الإمام وخطب بأصحابه وأصحاب الحرّ بقوله : «أيّها الناس إنّ رسول الله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلّا حرم الله ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباده بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا
__________________
(١) المفيد ، الارشاد : ٢٠٤.