وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غَيَّر» (١).
الدافع الواقعي للهجرة إلى العراق :
رغم انّ الدافع الظاهري لهجرته عليهالسلام إلى العراق كانت رسائل أهل الكوفة ورسلهم حتّى أنّ الإمام احتجّ بها عند ما واجه الحرّ بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد عند ما سألاه عن سرّ مجيئه إلى العراق فقال : «كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم» (٢). إلّا أنّ السرّ الحقيقي لهجرته عليهالسلام رغم إدراكه الواضح لما سيترتّب عليها من نتائج خطرة ستؤدي بحياته الشريفة ـ وهو ما وطّن نفسه عليهالسلام عليه ـ يمكن إدراكه من خلال الاستقراء الشامل لمسيرة حياته ، وكيفية تعامله مع مجريات الأحداث.
إنّ الأمر الذي لا مناص من الذهاب إليه هو إدراك الإمام عليهالسلام ما ينتجه الإذعان والتسليم لتولّي يزيد بن معاوية خلافة المسلمين رغم ما عُرف عنه من تهتّك ومجون وانحراف واضح عن أبسط المعايير الإسلامية ، وفي هذا مؤشّر خطر على عظم الانحراف الذي أصاب مفهوم الخلافة الإسلامية ، وابتعادها الرهيب عن مضمونها الشرعي.
ومن هنا فكان لا بدّ من وقفة شجاعة تعيد للأُمّة جانباً من رشدها المضاع وتفكيرها المسلوب. إنّ الإمام الحسين عليهالسلام قد أعلنها صراحة بقوله لمّا طالبه مروان بن الحكم بالبيعة ليزيد ، حيث قال : «فعلى الإسلام السلام إذا بليت الأُمّة
__________________
(١) الطبري ، التاريخ ٤ : ٣٠٤ حوادث سنة ٦١ ه ، ولمعرفة ما جرى على الإمام وأهل بيته حتّى نزل أرض كربلاء راجع المقاتل.
(٢) الارشاد : ٢٢٤ ـ ٢٢٨.