ابن سلمة بن الزبرقان ، استوهبها منه فوهبها له ، وكان منصور بن بجرة هذا موسراً لا يتصدّى لمدح ، ولا يفِد إلى أحد ، ولا ينتجعه بالشعر ، وكان هارون الرشيد قد جرّد السيف في ربيعة ، فوجّه منصور بن سلمه هذه القصيدة إلى الرشيد ، وكان رجلاً تقتحمه العين جوّاً ، ويزدريه من رآه ؛ لدمامة خلقه ، فأمر الرشيد ـ لمّا عرضت عليه ـ بإحضار قائلها.
قال النّمري : فلمّا وصلت إليه عرّفني الحاجب ، ولمّا عُرضت عليه قرأها واختارها على جميع شعر الشعراء جميعاً وأمره بإدخالي ، فلمّا قربت من حاجبه الفضل بن الربيع ازدراني ؛ لدمامة خلقي ، وكان قصيراً أزرقَ أحمرَ أعمش نحيفاً.
قال : فردّني ، وأمر بإخراجي فأُخرجت ، فمرّ بي ذات يوم يزيد بن مزيد الشيباني ، فصحت به : يا أبا خالد ، أنا رجل من عشيرتك ، وقد لحقني ضيم ، وعذت بك ، فوقف فعرّفته خبري ، وسألته أن يذكرني إذا مرّت به رقعتي ، ويتلطّف في إيصالي ، ففعل ذلك ، فلمّا دخلت على أمير المؤمنين أنشدته هذه القصيدة :
* أتسلو وقد بان الشباب المزايلُ *
فقال لي : غداً إن شاء الله آمرُ برفع السيف عن ربيعة وخرج يزيد يركضُ ، فما جاءت العصر من الغدِ حتّى رفع السيف عن ربيعة بنصيبين وما يليها وأنشدته القصيدة ، فلمّا صرت إلى هذا الموضع :
يُجرِّد فينا السيف من بين مارق |
|
وعان بجودٌ كلهم متحاملُ(١) |
قالوا : فلمّا سمع الجلساء هذا البيت ، قالوا : ذهب الأعرابي وافتضح ،
__________________
(١) العاني : الأسير. بجود : جمع بجد ، الجماعة من الناس.