قلنا : أما الأول فباطل. لأنا بينا في كتاب «الحس والمحسوس» : أن صور (١) المرئيات غير منطبعة البتة في المرآة. وهذا قول متفق عليه بين أكثر المحققين من الفلاسفة.
وأما السؤال الثاني : فنقول : لما سلمتم أن المنطبع في النفس عند إدراك السواد والبياض ، ليس نفس (٢) السواد والبياض ، بل رسومها ومثالاتها. فلم لا يجوز حصول رسوم هذه الأشياء ومثالاتها في المادة الجسمانية؟ وحينئذ يسقط هذا الدليل [بالكلية (٣)].
الحجة الخامسة : وهي حجة ذكرها المتكلمون. فقالوا : لو كان محل الإدراكات جسما ، وكل جسم منقسم ، فوجب أن لا يمتنع أن يقوم ببعض أجزاء ذلك الجسم : علم (٤) والبعض الآخر منه : جهل. وحينئذ يلزم أن يكون الإنسان الواحد : عالما وجاهلا بالشيء الواحد. وإنه محال.
ولقائل أن يقول : هذه الحجة منقوضة على أصول الفلاسفة. فإن الشهوة والغضب والتخيل من الأحوال الجسمانية. فيلزمهم [تجويز (٥)] أن تقوم الشهوة بأحد الجزءين ، والنفرة بالجزء الثاني ، حتى يكون الإنسان الواحد مشتهيا للشيء ، ونافرا عنه [معا (٦)] ويلزم أيضا : تجويز أن يقوم خيال بأحد الجزءين ، وأن يقوم ضد ذلك الخيال بالجزء الثاني. وحينئذ يلزم اجتماع خيالين متضادين في الإنسان الواحد ، وهو محال.
الحجة السادسة : وهي التي ذكرها «أبو علي بن مسكويه» في أول كتابه : في الأخلاق فقال : «إنا رأينا المادة الجسمانية ، إذا حصلت فيها نقوش
__________________
(١) أن تكون (م ، ط).
(٢) عين (م).
(٣) سقط (ط).
(٤) علم ضروري (م).
(٥) من (م).
(٦) سقط (ل).