وأما الثاني : فهو مسلّم إلا أنه لا يفيد مقصودكم ، لأن الأمر الكلي المشترك فيه بين الأشخاص الإنسانية ، هو الإنسانية ، لا العلم بالإنسانية. وإذا كان كذلك ، لم يلزم من كون العلم بالإنسانية مقرونا بالعوارض الخارجية : حصول القدح في قولنا : الإنسانية من حيث هي هي : أمر كلي مشترك فيها. وتمام الكلام في هذا البحث : مذكور في باب الكلي [والجزئي (١)] من المنطق ، والإلهيات.
السؤال الثاني : إن هذا الإشكال وارد عليكم أيضا وذلك لأن الصورة الكلية التي تثبتونها وتزعمون أنها حالة في النفس ، فهي صورة شخصية موصوفة بعوارض شخصية ، أعني حلولها في تلك النفس وحدوثها في وقت معين ، ومقارنتها لسائر الصور العقلية ، ولسائر الأعراض الحاصلة في جوهر النفس. فثبت أن هذه الصورة العقلية وإن كانت حالة في جوهر ، ليس بجسم ولا بجسماني ، فهي غير مجردة عن العوارض الخارجية. فإن قالوا : المراد بكونها مجردة : أنها نظرا إلى ماهيتها ، مع قطع النظر عن العوارض المذكورة مجردة فنقول : لم لا يجوز أن تكون الصورة الحالة في المحل الجسماني تكون مجردة ، بمعنى أنها بالنظر إلى حقيقتها وماهيتها مع قطع النظر عن العوارض تكون مجردة وكلية؟.
الحجة الثالثة : قالوا : القوة العاقلة تقوى على أفعال غير متناهية ، ولا شيء من القوى الجسمانية يقوى على أفعال غير متناهية ، ينتج : أن القوة العاقلة ليست من القوى الجسمانية.
أما بيان المقدمة الأولى : فهو أن الصورة العاقلة تقوى على إدراكات غير متناهية. وذلك يدل على أنها تقوى على أفعال غير متناهية.
وأما بيان المقدمة الثانية : فهو أن كل قوة جسمانية ، فإنها تنقسم بانقسام محلها. فالذي تقوى عليه بعض القوة ، يجب أن يكون أقل من الذي تقوى
__________________
(١) سقط (ل).