الاغتذاء ، وقد يبقى المريض منقطعا عن الاغتذاء أياما كثيرة ، وهو سبب عظيم لحصول الضعف. فثبت : أن البدن في غاية الضعف ، والطبيعة في غاية القوة على الدفع ، فلو كانت هذه الطبيعة هي البدن ، أو جزء من أجزاء البدن ، لزم كون الشيء الواحد موصوفا بغاية الضعف ، وبغاية القوة. وهو محال. فثبت : أن الشيء الذي يقاوم العلة هو النفس.
فنقول : النفس في تلك الحالة ، إما أن تكون مريضة ضعيفة وإما أن تكون خالية من المرض والضعف. والأول باطل. لأن النفس في هذه الحالة ، لو كانت مريضة ضعيفة ، لما قدرت على مقاومة العلة الغالبة ، والمادة القاهرة المبطلة. لأن المغلوب لا يمكنه مقاومة الغالب [والمقهور لا يمكنه مقاومة القاهر (١)] فثبت بهذا البيان الظاهر : أن النفس في تلك الحالة قوية قاهرة ، سليمة عن الضعف والمرض. وظاهر أن البدن في غاية الضعف والمرض.
وذلك يدل على أن النفس لا تمرض بمرض البدن ولا تضعف بضعفه البتة. وإذا ثبت هذا ، وجب أن لا تموت بموته. وذلك لأن النفس لما لم تمرض بمرض البدن ، ولم تضعف بضعفه ، ظهر أن النفس غنية في ذاتها وفي كمال قدرتها وقوتها عن هذا هذا البدن. فإذا مات البدن ، فقد مات شيء كانت النفس غنية في ذاتها وفي قدرتها وفي علمها عنه. ومتى كان كان الأمر كذلك ، امتنع أن يكون موت البدن ، موجبا لموت النفس.
وهذا كلام قوي مناسب. وهو بعينه يدل على أن النفس غير البدن ، وغير جميع أجزائه وأبعاضه.
الحجة السادسة في بيان أن النفس لا تموت بموت البدن : إنا قد دللنا على أن جوهر النفس من جنس جوهر الملائكة ، ودللنا على أن المؤثر في وجوده ، لا بد وأن يكون جوهرا عقليا مجردا [ودللنا على أن المقتضى لحدوث العلوم والمعارف في ذاته جوهر عقلي مجرد (٢)] فالنفس في ذاتها جوهر مجرد [وهو معلول
__________________
(١) سقط (م) ، (ط).
(٢) من (طا ، ل).