للثقب. فإن كون هذه الآلات صالحة لهذه الأعمال ، لا يوجب حصول ملكات هذه الأعمال في ذات النجار. فثبت بما ذكرنا : أن اختلاف نفوس الناس في الرغبة والنفرة في بعض الأشياء دون البعض ، لا يمكن أن يكون لأجل اختلاف الأمزجة البدنية والأعضاء الآلية فوجب أن يكون ذلك الاختلاف في جواهرها وماهياتها.
ولا يمكن أن يقال : إن تلك الرغبة والنفرة ، إنما حصلت لأجل تعليم المعلمين ، وإرشاد الأساتذة ، ومجالسة الأقران ، ومخالطة الأصحاب. وذلك لأنا نشاهد كثيرا : أن الأمر يقع في هذه الأحوال بالضد ، فقد يكون الإنسان بحيث يكون أبواه من أهل الشر والفساد والدعارة ، ويتربى فيما بينهم ويخالط تلك الطوائف ، ولا يلقى أحدا من أهل الخير ، ثم إنه في أول النشوء يميل إلى الخير والطاعة ، ويظهر منه أعمال عجيبة من أعمال الخير والفهم. وقد يكون بالضد منه. واعتبر ذلك بنوح عليهالسلام وولده ، وإبراهيم عليهالسلام ووالده. وإذا كان هذا المعنى مشاهدا ، علمنا : أن حصول هذه الأحوال لا تمكن إحالته إلى هذا السبب.
الحجة الرابعة : إنا نرى الصبيان الصغار يختلفون في الأخلاق والأفعال ، فقد يكون الواحد منهم رحيما حبيبا سخيا مطيعا ، سلس القياد. ومنهم من يكون شريرا بخيلا ، نماما ، شرها ، وقحا ، شكس الأخلاق. والسبب لهذه الأحوال المختلفة : إما جواهر النفوس ، وإما اختلاف أمزجة الأبدان. وإما الأسباب الخارجية ، وهي التعلم من المعلمين [والاستفادة (١)] من القرناء والشركاء. والقسمان الأخيران باطلان ، فبقي الأول. وهو المطلوب.
وإنما قلنا إنه لا يمكن أن يكون ذلك بسبب الأمزجة المختلفة ، وذلك لأن الفاعل هو النفس ، والأعضاء المختلفة البدنية آلات للنفس في الفعل ، والآلة منفعلة قابلة. والمنفعل القابل من حيث هو كذلك ، لا يوجب تغير حال الفاعل. نعم ربما ظن أن الآلة المعينة إذا كانت لا تصلح إلا للعمل الواحد ،
__________________
(١) من (م).