وثالثها : إنه لما كان الأمر كذلك ، وجب كون النفس مغايرة للبدن ، ولجميع هذه الأعضاء.
أما المقام الأول : فيدل عليه وجوه :
الأول : قوله تعالى : (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ : الْإِيمانَ) (١) فأضاف القلب إليهم ، لأن قوله (قُلُوبِهِمُ) يجري مجرى قولهم : دورهم وقصورهم ودوابهم.
والثاني : قوله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ ، لا يَفْقَهُونَ بِها. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ ، لا يُبْصِرُونَ بِها. وَلَهُمْ آذانٌ ، لا يَسْمَعُونَ بِها) (٢) والاستدلال بهذه الآية من وجهين :
الأول : إنه أضاف القلوب والأعين والآذان إليهم ، كما يضاف المملوك إلى المالك.
الثاني : إنه تعالى : بين أن القلوب لا تفقه ، وإنما يفقه الإنسان بالقلب ، فيكون القلب كالآلة له في هذا الفهم ، وأن الأعين والآذان لا تبصر ولا تسمع ، وإنما يبصر الإنسان ويسمع بعينه وأذنه. وهذا تصريح بما ذكرناه.
والثالث : إن الله تعالى قال : (كَلَّا ، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٣) فأضاف القلب إليهم.
وإذا وقفت على هذا البيان أمكنك أن تجد آيات كثيرة دالة على هذا المطلوب.
وأما المقام الثاني : وهو بيان أن الشواهد العقلية تدل على ما ذكرناه : فذلك لأن فطرة كل أحد ، وبديهة عقله : تحكم بصحة قوله : إن رأسي كذا ،
__________________
(١) المجادلة ٢٢ وتشبيه المؤلف في غير موضعه لأن الدور تستقل عن صاحبها. والقلب إذا استقل عن الجسد : مات وإضافة العضو إلى الإنسان لا تدل على أن العضو مستقل بنفسه وله روح. ونفس ، كما للإنسان. والكتابة هنا ليست على حقيقتها. بل هي مجاز ، وكذلك إضافة القلب إليهم مجاز ، بمعنى : أثبت. أي هم بمنزلة من ثبت على الإيمان.
(٢) الأعراف ١٧٩ والتكملة من (ل). وفي تفسير القرطبي : أنهم صاروا بمنزلة من لا يفقه.
(٣) المطففون ١٤ ، والران : هو الذنب ، على الذنب ، حتى يسود القلب.