معدومة ، وتوهم جميع المتحركات ساكنة ، وفرضنا أن هذا الإنسان غفل عن جميع المتحركات ، لوجد عقله جازما بمرور هذا الشيء الذي سميناه بالمدة. بل نقول : لو فرضنا رجلا أصم أعمى من أول الخلقة ، بحيث ما أبصر شيئا من الكواكب والأفلاك ولم يسمع أن الله خلق هذه الأشياء البتة. ثم فرضنا أن هذا الإنسان تكلف تسكين النفس والطرف والحدقة فإنه عند هذه الأحوال يجد هذه المدة أمرا ثابتا مستمرا في الذهن والعقل ، وكل ذلك يدل على أن العلم بوجود هذه المدة : علم ضروري وأن العلم بأن هذه المدة موجودة أمر مغاير لحركات الأفلاك والكواكب أيضا : علم ضروري (١).
الحجة الثانية : إن العقل بحكم الفطرة الأصلية ، لا يستبعد أن ينقلب الجزء المتقدم من الحركة الفلكية متأخرا ، والجزء المتأخر متقدما ، فإن الفلك لما تحرك (٢) من المشرق إلى المغرب كانت حركته في الربع الشرقي متقدمة على حركته في الربع الغربي ، ولو أنا فرضنا أن هذا الفلك بعينه ، كان يتحرك من المغرب إلى المشرق ، لكانت حركته في الربع الغربي متقدمة على حركته في الربع الشرقي. فعلمنا : أن العقل بفطرته الأصلية لا يستبعد أن يفرض الجزء المتقدم من الحركة الفلكية متأخرا ، والجزء المتأخر متقدما.
وأما الجزء المتقدم من الزمان ، فإن العقل بفطرته الأولية البديهية ، يستبعد أن يفرضه متأخرا ، والجزء المتأخر يستبعد أن يفرضه متقدما. فثبت : أن هذه المدة ليست نفس الحركة ، ولا عارضا من عوارضها ، ولا لاحقا من لواحقها.
الحجة الثالثة : إنه يمكننا أن نتشكك في أن هذه الحركة الفلكية ، هل كانت حاصلة قبل هذا الوقت بمائة ألف سنة؟ فإن القائلين بحدوث العالم يمكنهم أن يتشككوا في حصول الحركات الفلكية قبل هذا [الوقت (٣)] بمائة
__________________
(١) العبارة مصححة من (ط) ، (س) وأمر ساقطة من س.
(٢) كانت حركته (ت).
(٣) من (س).