لا يجوز قبول حكمها ، وقوة عقلية يجب قبول حكمها ، فعلمنا بأن هذا الحكم الجزم. حكم الوهم لا حكم العقل ، لا يكون معلوما بالبديهة ، بل بالنظر. فحينئذ لا يصير حكم العقل مقبولا ، إلا بعد هذا التمييز الذي لا يعرف إلا بالنظر ، وعلى هذا التقدير فإنه تتوقف صحة البديهات على صحة النظريات ، لكن من المعلوم بالبديهة أن صحة النظريات موقوفة على صحة البديهيات ، وحينئذ يتوقف كل واحد منهما على الآخر ، وذلك دور ، وهو باطل. فعلمنا : أن قول القائل : إن هذا الجزم مقتضى الوهم الكاذب ، لا مقتضى العقل الصادق : يوجب السفسطة. وذلك باطل. فثبت : أن كل ما جزمت به الفطرة الأصلية ، كان حقا وصدقا. لكن الفطرة الأصلية جزمت بأنّ الجانب الذي يلي القطب الشمالي ، متميز عن الجانب الذي يلي القطب الجنوبي ، وهذا يوجب القطع بصحة أحياز لا نهاية لها خارج العالم. وإذا ثبت هذا فنقول : وقوع كرة العالم في بعض جوانب ذلك الخلاء دون البعض ، يكون رجحانا لا لمرجح.
الثامن : النطفة. إما أن تكون جسما بسيطا أو لا تكون ، فإن كان الأول فنقول : القوة المصورة عند القوم قوة عديمة الشعور والإدراك ، فتأثيرها في حصول الصورة القلبية وبعض (١) أجزاء تلك النطفة ، وحصول الصورة الدماغية في الجزء الآخر منها ، يكون رجحانا لأحد طرفي الممكن لا لمرجح ، وإن كان الثاني [وهو (٢)] إن لا تكون النطفة جسما بسيطا ، فنقول : إذا لم يكن بسيطا كان مركبا ، والمركب مركب عن البسائط ، فكل واحد من تلك البسائط إذا تكوّن عنه عضو ، وجب أن يكون ذلك العضو كرة ، لأن تأثير القوة الخالية عن الشعور والإدراك في المادة البسيطة ، لا يكون إلا تأثيرا واحدا ، وحيث لم يكن الأمر كذلك ، بل حصلت أشكال مختلفة ، ومخالفة لشكل الكرة ، فحينئذ يلزم منه رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا لمرجح.
التاسع : لو لزم من حصول المؤثر التام ، حصول الأثر معه ، بحيث
__________________
(١) في بعض (س ، ط).
(٢) من (ط ، س).